رواية في قبضة الطاغية (الفصل العاشر)

رواية في قبضة الطاغية (الفصل العاشر)

_شعرت جود بأنفاسها تذهب وهي ترى ذلك البغيض الآخر ،ينظر لها بكل وقاحة، اقترب منها شريف ثم جلس بجانبها على الفراش ،وأمسك بيدها المرتجفة بقوة ، حاولت أن تنزعها منه ،لكنه كان قابضًا عليها بشدة فصاحت به قائلة :

ابعد عني ،ومشيني من هنا !
ابتسم شريف بتلذذ تام، فور سماع صوتها وهتف بصوته اللعين :
طب ما صوتك طلع حلو أهو ،أمال ليه حرمتينا منه أول ما شوفتك ؟!
تقززت جود من طريقة حديثه ولكن قبضة يده ألمتها حقًا وظل يتفرس بها بجرأة وهي ترتدي ذلك الفستان القصير ،فبرقت بعينها وخشيت منه فقهقه ساخرًا ببرود قاتل :

هسيبك شوية تاخدي على الوضع وبعدين هجيلك !
تركها بعد أن غمز لها ،لتشرد جود في حالها وفي كيفية النجاة من هذا المتوحش أيضًا !

شعرت جود أن الحياة تُغلق أبوابها في وجهها بلا رحمة ،وهي لم تفعل شيئًا للدنيا ،بل عاشت حياتها بائسة محرومة من الحرية وكل شيء تتمناه فتاة بهذا الجمال مثلها ،ظلت تدعو وتستغر ربها بأن ينجيها من بطش هؤلاء الذئاب ،وبحثت عن عباءتها حتى وجدتها على الأرضية ،أخذتها سريعًا وارتدتها كمحاولة لمنع أي شخص من النظر إلى جسدها الملفت ،حاولت الوقوف لتنظر حولها في المكان مفتشة عن أي شيء يجعلها تهرب ،وعندما نظرت إلى النافذة والشرفة وجدت أنها بدورٍ عالٍ، جلست على الأرضية تندب حظها وتشكو قيلة حيلتها في النجاة من ذلك العالم بأكمله وهي تهتف قائلة :

يارب خدني بدل ما أنا مش قادرة أتحمل هنا ،خدني يارب وخلصني من الدنيا المنيلة دي !
………………………………………………..
خارج البلاد في “لندن”
جلس باسل في محل العطور ،ينتظر بين الثانية والأخرى اتصال صديقه به ،مرت أيام يقارب أسبوعًا ولم يتصل شريف به فأخذ يفكر وتأخذه أفكاره نحو هواجس واضطراب كبير ..

وبينما هو في شروده قطع عليه ذلك الشرود صوت هاتفه الذي طالما انتظر رنينه ، لذلك قفز باسل يأخذ الهاتف سريعًا وهو يرى الرقم دولي فأجاب على الفور :
ألوو ؟
أتاه صوت شريف قائلًا :
أيوة يا باسل سامعني ؟
-أنت فين يابني ،كل ده مش عارفة تتصرف !

-أهدى بس يا “محمد” ،الموضوع مكنش سهل أوي كده
حاول باسل “محمد” السيطرة على أعصابه قليلًا وتحدث بعدها :
طب طمني وصلت لحاجة ؟
أتاه صوته مترددًا :
أيوة ،بس امسك نفسك شوية
ابتلع باسل ريقه وقد شعر بدقات قلبه تنخلع من مكانها فتكلم بصوت مرتعش :

حصلهم حاجة !؟؟؟
-بص يا باسل أنا عارف اللي هقوله صعب ،بس الوضع هناك وحش،أبوك اتاخد واتقتل وأمك اترمت ،وأختك مأخودة أسيرة ،أعتقد إنك لازم تنزل تحل الوضع بنفسك وتنقذ أختك !
لم يستوعب باسل كل ذلك ،ما كم المصائب التي سمعها الأن

؟! ،تمنى للحظة لو لم يسأل عن أي شيء تخص عائلته ، هوى على مقعده وأغلق على الفور هاتفه ونزلت دموعه بصمت بالغ ، فقد والده الذي لم يراه منذ سنوات طويلة ،والدته التي لا يعلم إن كانت حية أم لا تعاني ،وسكرته الصغيرة التي أصبحت أسيرة تحكم الطاغي !
_كل ذلك مر عليه بألم ،وعلى الفور اتصل بالمطار ليحجز أول طائرة ،لكي يأخذ ثأر والده ويعيد أخته ووالدته !

…………………………………………………..
حدث سراج شريف بالهاتف وأخبره أن جود تقطن عنده، وأن لا داعي الأن لإحضارها عنده ،تبسم سراج بخبث وهو يفكر بنوايا سيئة للغاية ،وهتف قائلًا :
اممم ،بس الصقر كد هيعرف في ثانية !
أتاه صوت شريف عاقدًا حاجبيه بضيق :
وأنت ناوي تقوله ولا إيه ؟

-أنا برضو ؟ّ! ، بالعكس بس هو ذكي ويقدر في ثانية يجبها ،وهي معلقة معاه أوي اصراحة ،إنما دلوقتي أنا عايز مصلحتك !
-إزاي يعني مش فاهم !
اتسعت ابتسامة سراج بلؤم كبير ثم مط شفتيه قائلًا:

البنت دي لو فضلت عندك في البيت ،يبقى مش هتعرف تتهنى بيها ،والصقر هيعرفها بسهولة ،أنما لو خبينها في مكان أنا أضمنلك إن الصقر مش هيدور فيه في حياته ،يبقى تقدر تمتع بيها وقت ما تحب!
لمعت عينا شريف وقال :
خلاص اعمل كده ، وتعالى دلوقتي عشان ناخدها !
-أمرك ..

قالها سراج بابتسامة واسعة وكل الخبث يشع من عينه ،وصل قصر الصقر لكن لم يجده ،فحدثه على الهاتف بعد أن رد عليه سريعًا قائلًا :
لقتها يا زفت !
تمثل سراج صوت اللاهث التعب وهو يحدث الصقر قائلًا :
لفيت عليها القرية كلها ودورت في كل كويس ملهاش أثر يا باشا بس أكيد هوصلها !

أغلق الصقر في وجهه وهو يلعنه ، وقرر البحث عليه بنفسه بطريقته الخاصة !
هو فقط يريد أن يؤدبها من جديد ويتشفى بها لأنها من تحدته وعاندته ووفقت بوجهه وهو لن يسمح بذلك أبدًا يجب أن ينهيها قبل أن تُنهي هي عليه ،نعم يشعر أن في قلبه وخز واضطراب وهو يرفضه وينزعه إن كان في الأساس حقًا يشعر !

بحث وبحث كثيرًا لكن ليس لديها أي أثر، لكنه لن يستسلم اتصل بحارسه الخاص عماد يخبره بعنف قائلًا :
اسمع يا زفت تروح تراقبلي الزفت اللي اسمه سراج تشوف كل تحركاته وتبلغني فاااهم
-حصل يا باشا !
أغلق معه بغضب جامح وقد برزت عروقه وهو يحدث نفسه :
اصبري عليا بس لما الاقيكي ،مش هرحمك !

………………………………………
عادت كوثر وهي تبكي للغاية بتحسر بالغ بعد رؤية ولدها العزيز فهدأها عدلي قائلًا :
كوثر مش كده ،مش عايزين حد ياخد باله !
هفت كوثر وهي تمسح دموعها :
غصب عني يا عدلي ،ده ابني يا ناس اللي اتحرمت منه ورميته في الشارع!
-لو عايزة الليلة دي تعدي على خير وتشوفيه تاني ،ييقى تهدي !

حذرها عدلي بذلك فحاولت أن تبدو طبيعية أمام الجميع ،إلا أن صباح قد سمعت ما جرى بينهم وهي تستعجب من ذلك قائلة :
لا أنا لازم أعرف في إيه مش قادرة أتحمل !
…………………………………………………………

خدر شريف جود ثم أتى سراج بعدها وحملها بين ذراعيه وهو يشعر بتلذذ بذلك ،ثم وضعها في سيارة شريف حتى وصلا إلى المكان المحدد ،وهو بيت “سلوى” !
دق سراج منزل سلوى حتى فتحت له وقالت بعد أن دُهشت لرؤيته :
طب كنت قولي إنك هتيجي !
-مش وقته دلوقتي فسحي بس شوية كده !

قالها سراج وهو يدفعها بعيدًا مما زاد من دهشتها ،وذهب ليأتي بجود ومعه شريف التي فور أن رأتها سلوى هكذا حتى صرخت قائلة :
يالهوي اللي جابيها هنا دي ،أنت قتلتها يا سراج ؟!!!
أخرسها شريف بعد أن كممها وقال :
اسكتي يا ولية دي عايشة ،خليكي في حالك !

وضعها سراج على الفراش ولم يكن شريف أو سلوى دلفوا إليه ،فمسح على رأسها وقبّلها من خدها وهو يفكر بعدها عندما ستصبح له وحده !
يا له من حظٍ يا جود فقط لجمالك يريد الجميع أن ينهشوا بكِ وحظُك أنكِ وقعتي تحت هؤلاء الحيوانات بلا رحمة !
_وقف سراج وتحامل قرب شريف منها بعد ذلك ليخرج من الغرفة فتسأله سلوى بنبرة حانقة :
وده إيه ده بقى إن شاء الله ،جايبها هنا ليه وعندي ؟!!

تأفف سراج وقد اختنق منها ثم قال :
دي مش تابعي دي تبع شريف ،ولازم نخبيها عشان الصقر ميعرفش مكانها !
زمت سلوى شفتيها بضيق جلي وهي تهتف قائلة :
أنت عايز تلبسني مصيبة ،لو الصقر عرف هيدبحني ويدبحك خدها من هنا وأمشي !
كمم سراج فمها وقال بعصبية مفرطة :

بقولك إيه أتهدي كده أمال ،متنسيش نفسك قدامي ،اللي يجي في دماغي أعمله فاهمة !!
شدد عليها بقبضته فأومأت برأسها سريعًا ،فتركها بعد أن رأي شريف يخرج من الغرفة مبتسمًا ،فاصتنع الابتسامة وقال :
كله تمام ؟ّ
-تمام أوي !!
ثم أكمل وهو يجلس على الأريكة قائلًا :
ما تخيلينا نسهر هنا انهادرة ،والحلو ده يرقصلنا !
هتف سراج وهو يشاور نحو سلوى بعينه :
وماله ،قومي يابت يلا فزي روقي الباشا !!

…………………………………………………..
جلست كوثر تريح جسدها ،وتتذكر ولدها وكيف رموه بعد ما جرى لها ولماذا !!
………….”
كانت كوثر جالسة في غرفتها وهي تبدل ثياب غيث وتدلعه قائلة :
شاطر حبيب ماما يلا قربنا أهو !
ابتسم لها الصغير وقبّلها من خدها فقد كان شغوفًا بها كثيرًا ، ثم مرى واحدة اندفع الباب لظهر منه رحيم وعلى وجهه علامات لا تبشر بالمرة ،تعجبت كوثر من حالته تلك وارتعد الصغير واختبأ خلف والدته ،هتفت كوثر وهي تطمئن الصغير بيدها حول ذراعيه :
خير يا رحيم ،مالك ؟!

اقترب منها رحيم وهوى عليها يصفعها بقوة صارخًا :
خـــــــــاينة !
فزعت كوثر وهي تتأوه من الألم من تلك الصفعة ،وشعرت أنه فهم الأن كل شيء فهفت مبررة وهي تخبأ الصغير :
رحيم بس استنى اسمعني !
دفع رحيم الصغير غيث فوقع على الأرض يبكي بينما إنهال رحيم عليها بصفعات متتالية وهو في غاية غضبه قائلًا :
بتستغفيلني يا هانم ، بتضحكي عليا أنا وتجبيلي عيل مش ابني !!!
حاولت كوثر التحدث بارتعاش قوي :

كك ..كاا ..كان غصب عع ..عني !
وهنا دخل سالم بزمجرة قوية يهتف قائلًا :
مخلصتش عليها ليه يا ولد !
تنفس رحيم بصعوبة وهو يهتف :
حامل يا والدي !

-يادي النصيبة ده اللي كنا ناقصينه ،بنت الحرام دي تحمل تاني، بس أوعى يكون الحمل ده كمان مش منك !؟؟
هتف بها سالم بصارمة فوقفت كوثر مجاهدة تبكي بألم وتبرر قائلة :
والله غصب عني يا ناس !، كنت عيلة صغير موعتش لسة ع الدنيا ،ووهمني بالحب وصدقته لحد ما عملت عملته دي من غير ما أكون فايقة ولما صحيت قالي انه هيتجوزني وبعدها باعني وسابني وعرفت إني حامل ووقتها رحيم اتقدملي وقولت خلاص لو حكتلك مش هتصدقني وهترميني وانا مليش حد غير أمي العيانة ، هو ده اللي حصل والله يا رحيم أنا بحبك !

لان قلب رحيم قليلًا محاولًا تصديق ما قالته ، لكن سالم كان قلبه عنيف لا يقبل الرحمة فهتف معنفًا :
أنت هتلين ولا إيه يا ولد ،دي كدابة وخانتك ،لازم نقتلها !
-واللي في بطنها يا أبويا ؟؟!
هتف رحيم معترضًا ،ففكر سالم قليلًا ثم نظر نحو غيث بتقزز وهتف قائلًا :
خلاص يبقى نخلص من الواد ده ،أنا مقبلش واد بن حرام يعيش وسطينا وهو مش من عليتنا ،إرميه برا !!!
فزعت كوثر وهي تحتضن ولدها قائلة بهستريه :
لا أرجوكم بلاش ابني لااا!

كان وقتها غيث لا يعي شيء لكنه فهم أن رحيم ليس والده وأنهم يريدون التخلص منه فبكى خائفًا متشبثًا بوالدته :
لا ماما متسبنيش !!!
أمسك رحيم بشعر كوثر وسحبها للخارج وقد أمر سالم رجالته بأن يرموا غيث بالخارج !
وحدث ما حدث من مشهد ترجي كوثر ليبقو ولدها معها ولكن لم يكن رحمة لديهم ورموه رجالة سالم خارجًا بعنف ،فصار يركض بدون هدى حتى وصل إلى ذلك الشارع ومن هناك بدأت عملية إجرامه دون علم أحد

………….”
أفاقت كوثر بعد أن نزلت دمعة حارة منها ثم سمعت طرقات الباب فقالت آذنه :
اتفضل
دلفت صباح وهي تحمل عصير من الليمون وتقدمه لها قائلة بحنان :
قولت أجبلك عصير تروجي(تروقي) دمك يا ست هانم خدت بالي أن وشك في حاجة !
ابتسمت لها كوثر بامتنان وأخذت منها العصير قائلة :
تسلمي يا صباح ،تعالي اقعدي واقفة ليه !

جلست قبالتها صباح وبدا عليها التوتر ،لاحظت ذلك كوثر فحثتها على الحديث قائلة :
مالك يا صباح ،شكلك عايزة تقولي حاجة !!
فركت صباح يدها مترددة ثم حسمت أمرها وقالت :
أنا من غير ما أجصد (أقصد) كنت طالعة برا وسمعتك مع عدلي بيه و…
قاطعتها كوثر خائفة وقالت :

الله يكرمك يا صباح ما تقولي حاجة لأي حد عن اللي سمعتيه أنا مش ناقصة مشاكل
-متخفيش يا هانم مش هيحصل أكيد ،بس الفضول عمال ياكل فيا ونفسي أفهم إيه الحكاية إذا تسمحي !
تنهدت كوثر بحزن بالغ ،فهي تحتاج لم ترمي عليه أثقال همومها،فقالت سريعًا :
طب أقفلي الباب ده كويس وأنا هحكيلك!
فعلت ذلك صباح وجلست تستمع لما ستقصه عليها كوثر بنبرة حسرة وحنين وألم !

…………………………………………………..
ضيق الصقر عينه بشدة والغضب يشتعل من عينه وهو يستمع إلى حارسه عماد قائلًا :
سراج في بيت اللي اسمها سلوى ولقيت في واحدة مدخلها معاه لابسة عباية بس مش باين ملامحها ،وكان معاه شريف !
-طب اقفل !
قالها الصقر بنبرة جاحدة وهو يتوعد لهم قائلًا :
بقى هو ده الوفد يا شريف الكلب والله لأخليك تسف التراب سف !! ،أنت والواطي سراج !!

……………………….
وصل الصقر نحو منزل سلوى وترجل من السيارة ليجد سيارة شريف فأخذ مسدسه الخاص وفتح الباب بقبضة واحدة من قدمه ،لينفض الجميع ويبتلع سراج ريقه ،أشهر الصقر سلاحه نحو الجميع وهو يهتف بصياح قاتل :
والله لأندمكم ندم جهنم !!
حاول سراج التحدث بنبرة طبيعية :
اهدى يا باشا أنا كنت هاجي أقولك مكانهم و ..آآآه !

أطلق الصقر عليه بمسدسه فأصُيبت قدمه وتأوه بشدة أما شريف فحاول الهروب لأنه لم يصطحب رجاله وفي نفس الوقت لك يملك أي سلاح ، فأمسكه الصقر من ياقة قميصه وضربه في رأسه فوقع أرضًا تنزف منه الدماء ،أتى حارسه عماد فأشار له الصقر بتأديبه بينما نظر إلى سلوى وصفعها وهو يهتف لعماد :
وروقلي بت ال***** دي على الآخر !!
-أمرك يا باشا !!

دلف الصقر يبحث عن جود حتى وجدها نائمة بشكل هامد رأى على فاها بعد قطرات الماء فتفحصه وعلم أنه مخدر ،حاول أن يوقظها لكن لم تستجب وبينما كاد يحملها ،صرخت جود بكل ألم :
بــــــابا لااا متسبنيش !!
جلس الصقر قبالتها وهتف وهو يمسك بيدها يحاول تهدئتها :
أهدي يا جود أنا هنا ،محدش هيعملك حاجة !

نظرت له جود بدون وعي وارتمت في أحضانه من دون أن تعي ذلك وهي تهفت بجنون :
أنا عايزة أموت كفاية بقى كفاااية !!
………………………………………
تفسير اسم “محمد” سيتم توضيحه الفصل القادم

https://www.barabic.com/stories/14997

تعليقات (1)

إغلاق