المنشورات المضلّلة تحوّل مونديال قطر إلى موسم إنجازات دينية وقومية وهمية

المنشورات المضلّلة تحوّل مونديال قطر إلى موسم إنجازات دينية وقومية وهمية

غصت مواقع التواصل الاجتماعي العربية بالمنشورات المضللة والشائعات عن “فتوحات إسلامية” مزعومة في مونديال قطر، وهو لا يخرج عن إطار أي حدث ذي اهتمام عالمي، عادة ما يكون فرصة مناسبة لإطلاق أخبار موازية.

بيروت – اكتظّت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي باللغة العربية بعشرات الآلاف من المنشورات التي حقّقت عشرات الملايين من التفاعلات بالتزامن مع مباريات كأس العالم لكرة القدم الجارية في قطر، لكن الكثير من هذه المنشورات نأى عن الجانب الكروي لهذا الحدث الرياضي الأهم في العالم، ليتحدّث عن “إنجازات” دينية وقومية لا أصل لها سوى في خيال مروجيها.

ففي الأيام الثلاثة الأولى من المونديال الذي يقام للمرّة الأولى في دولة عربيّة، جذبت المنشورات التي تحمل اسم “قطر” على موقع فيسبوك باللغة العربيّة أكثر من 37 مليون تفاعل. لكن الملايين من هذه التفاعلات تناولت منشورات غير صحيحة ذات طابع ديني إسلامي، أو ذات صلة بالصراع العربي – الإسرائيلي.

ويرى الأستاذ الجامعي التونسي المتخصص في علم الاجتماع محمد الجويلي أن هذا الأمر تعبير عن “تمنيات وطموحات، وأيضا عن إحباطات سياسية واجتماعية”.

وانتشر على مواقع فيسبوك وتويتر وإنستغرام، وكذلك على تطبيق واتساب، في الأيام الماضية منشور يتحدّث عن “فتح عربي إسلامي” حققته قطر باستضافتها كأس العالم. ويصوّر المنشور الذي حصد عشرات الآلاف من المشاركات، الأجواء في قطر حاليا على أنّها موسم للتعريف بالإسلام والتصدّي للغرب ثقافيا وفكريا وسياسيا.

محمد الجويلي: تصديق المنشورات المضللة رغبة في إثبات الحضور عالميا

وحقّق فيديو يظهر شابة تنطق بالشهادتين عشرات الآلاف من المشاهدات، وقيل إنه يصوّر اعتناق مشجّعة غربيّة الإسلام في قطر، على هامش المونديال. صحيح أن الفتاة الظاهرة في الفيديو أعلنت اعتناقها الإسلام، ولكن في ولاية تكساس الأميركية قبل أسابيع، وليس في قطر في الأيام الماضية.

وحصد فيديو لأربعة شبان ينطقون بالشهادتين عشرات الآلاف من المشاهدات، وزعم ناشروه أنه مصوّر أيضا في قطر في الأيام الماضية. لكنّ الفيديو مصوّر في العام 2016، ولا شأن له بكأس العالم في قطر. أما الفيديو الذي قيل إنّه يظهر إسلام أكثر من 500 شخص، “في أولى ثمرات كأس العالم”، فقد سبق أن نشرته وسائل إعلام عربيّة قبل سنوات.

وبحسب محمد الجويلي الذي سبق أن تولّى إدارة المرصد الوطني للشباب في تونس، فإن تصديق هذه المنشورات وتداولها مع غيرها من المنشورات التي تتحدّث عن اعتناق مشاهير أو مواطنين غربيّين للإسلام، يشير إلى “رغبة في إثبات الحضور في المشهد العالمي والقدرة على التأثير، ومقارعة الحضارة الغربية”.

وقال الجويلي لوكالة فرانس برس “من يختلقون هذه الأخبار يعرفون غالبا أنها غير صحيحة، لكنهم يعرفون أيضا أن هناك الكثيرين ممن يرغبون في تصديقها، لاسيما ممن لم يتحصّلوا على ثقافة إعلامية”.

ومن المنشورات التي حقّقت تفاعلا كبيرا على صفحات مواقع التواصل العربية، فيديو قيل إنه يظهر افتتاح المونديال بتلاوة من القرآن. لكن في الحقيقة لا يمكن الحديث عن “تلاوة قرآنيّة” في حفل الافتتاح بقدر ما هو اقتباس للآية الثالثة عشرة من سورة الحجرات “يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، في سياق الحديث عن الأخوّة الإنسانية في عرض خطابي جمع الممثل الأميركي مورغان فريمان والقطري غانم المفتاح، المؤثّر على مواقع التواصل وسفير كأس العالم.

أما الفيديو المتداول الذي قيل إنّه يوثّق تلاوة القرآن في افتتاح المونديال، فهو في الحقيقة منشور العام الماضي في حفل تدشين أستاد الثمامة في الدوحة.

وانتشر بلغات عدّة حول العالم فيديو قيل إنه يظهر صلاة جماعة في ملعب في قطر أثناء المونديال، لكن هذا الادّعاء غير صحيح،

والفيديو يظهر صلاة جماعة في ملعب في جمهورية تتارستان الروسيّة في شهر رمضان من العام 2019.

ومع الإعلان عن وصول الداعية الهندي المثير للجدل ذاكر نايك إلى الدوحة، حصدت المنشورات التي حملت اسمه على موقعي فيسبوك وإنستغرام باللغة العربية ما يقارب الثلاثة ملايين تفاعل في يوم واحد، بحسب ما أظهرت بيانات موقع “كراود تانغل” المتخصّص في مراقبة مواقع التواصل، فيما وصل الداعية إلى قطر في موسم يشهد استعراضات غنائيّة وراقصة في مناطق المشجعين، حيث يُسمح بشرب الكحول.

وظهرت منشورات مرفقة بفيديو تتحدّث عن اجتماع ذاكر نايك مع دعاة ذائعي الصيت على مستوى العالم العربي في قطر لإطلاق أنشطة للدعوة إلى الإسلام، لكن هذا الفيديو في الحقيقة مؤلّف من ثلاثة مقاطع مصوّرة في سنوات ماضية، ولا شأن لها بمونديال قطر.

وعلّق رجل الدين اللبناني طارق الصافتلي على صفحته في فيسبوك على هذه المنشورات، محذرا من تداولها قائلا “أتفهّم حماسة البعض وأتفهّم غيرة آخرين، وأتفهّم الحاجة بأننا متعطّشون لانتصار في مضمار معيّن، لكن ديننا دين العقل والدقّة”.

وفيما كان بعض المستخدمين المعارضين للسياسة القطريّة ينتقدون الدوحة على تسييرها، عن طريق شركة قبرصيّة، خط رحلات جويّة مباشرا مع تل أبيب لنقل المشّجعين الإسرائيليين، ظهرت على صفحات مؤيّدة للدوحة على فيسبوك صورة قيل إنها تظهر إضاءة برج الجابر في العاصمة القطرية بعلم فلسطين أثناء إقامة المونديال، في ما وُصف بأنه تحدّ قطريّ للدول الغربية الداعمة لإسرائيل في هذا الموسم العالمي. لكن الادّعاء غير صحيح، إذ تبيّن أن الصورة تعود إلى شهر أغسطس الماضي حين أُضيء البرج فعلا بالعلم الفلسطيني إثر هجوم دام شنّته إسرائيل على القطاع المحاصر.

كما تداولت صفحات وحسابات شريط فيديو قيل إنه يصوّر مشجّعين يهتفون باسم فلسطين في وجه مشجّع يحمل العلم الإسرائيلي، مع الادّعاء بأنّه ملتقط حديثا في قطر. صحيح أن وسائل إعلام نقلت أخبارا ومشاهد عن مقاطعة مشجّعين عرب لإسرائيليين أو مراسلي وسائل إعلام إسرائيليّة أثناء المونديال، إلا أن هذا الفيديو تحديدا الذي يظهر مشجعين يهتفون باسم فلسطين قديم ومصوّر خلال كأس العالم 2018 في روسيا، وقد نشرته وسائل إعلام عربيّة آنذاك.

ويقول عالم الاجتماع التونسي “قد يشكّل أي حدث ذي اهتمام عالمي فرصة مناسبة لإطلاق أخبار موازية”. ويخلص إلى القول إن “هذه الأحداث العالميّة يمكن أن تشكّل مناسبة لإثراء فكرة التنوع، وتعرّف الشعوب على بعضها البعض وعلى عاداتها وملامحها”، مثلما يمكن أن تشكّل فرصة لمحاولة “الاحتواء أو جعل الناس كلّهم متشابهين على ثقافة واحدة”.

من يختلقون الأخبار يعرفون غالبا أنها غير صحيحة
من يختلقون الأخبار يعرفون غالبا أنها غير صحيحة

المصدر / alarab.co.uk

تعليقات (0)

إغلاق