رواية قبل نهاية الطريق (الجزء السادس والعشرون )

رواية قبل نهاية الطريق (الجزء السادس والعشرون )

وذات يوم جاء أحمد وجلس مع إبنته وكان منهكاً فالأحداث الأخيرة مرهقة لأقصى درجة خاصةً بعد مرض أمه و إقامتها في المشفى فمن سيتولى أمورها هنا ؟!!! ربما لو كانت ليلى بصحتها ولازالت على ذمته لتناست كل شيء وأقامت معها لترعاها بصدرٍ رحب….. لكن !
أحمد :كيف حالك إبنتي ؟

مريم:بخيرٍ الحمد لله ، كيف حال جدتي اليوم ؟
أحمد:لا جديد كما هي ، الجلطة قد تجمدت والشلل مع تقدم العمر لن يتركها.
مريم:أعلم أن فكرة إقامتها الدائمة بالمشفى تؤلمك ، لكني لا أقوى على خدمتها وحدي خاصةً وأنا على مشارف الدراسة.

أحمد:لا عليك إبنتي ، لا تلومي نفسك ! المهم الآن ، لم تخبريني عن رأيك بخصوص إياد.
مريم:إن الوقت غير ملائم تماماً، ظروف جدتي وظروف أمي.
أحمد:تلك ظروف مزمنة معنا ، والدراسة ستبدأ وقد تأخرتي في الرد كثيراً.
فهزت برأسها أن نعم بإبتسامة خجولة فإبتسم أبيها وضمها إليه وقال :مباركٌ عليكِ إبنتي ، ربي يسعدك ويرزقك السعادة دائماً ، أخبره متى يجيء هو وأهله ؟!

مريم:لقد إنتهت أمي من جلساتها ولازالت في فترة العزل ، فبعد إنتهائها وتحسّن أمي من أثر الجلسات.
أحمد:مثلاً خلال أسبوعين ، وعلى حسب حالة أمك فهو أدرى بها.
مريم:حسناً !
أحمد:إذن عليكِ تنظيف وترتيب الشقة لذلك اليوم.
مريم:معذرةً أبي سأرتب شقة جدتي هيام.
أحمد:لكن الشقة هنا في الطابق الأول وأمك مريضة ، حتى لا تكون فيها مشقةٍ عليها.
مريم:الشقة في الطابق الثاني ، وأمي سترتاح فيها أكثر.
أحمد:إفعلي ما يحلو لك.

وبالفعل أخبر أحمد إياد بموافقة مريم وتحديد موعد ملائم لصحة ليلى ، وليراجع الموعد إن تعارض مع حالتها أو جدَّ جديد معها.
ذات يوم كانت مريم عند جدتها في المشفي تحاول أن تشرّبها كوب من العصير بإستخدام الماصة ، فكانت عليّة تنظر إليها دائماً وتبكي منذ أن أصابها ما أصابها ومريم تتعجب من حالتها وتحاول تهدئتها.
مريم :ماذا بك جدتي ؟ إهدئي عزيزتي ! إذن سأخبرك بخبر ستسعدين به للغاية… إياد إبن خالتي منى وأهله سيجيئون في الغد لقراءة فاتحتي.

وما أن قالت مريم هكذا حتى جذبتها بيدها السليمة وضمتها وربتت عليها.
مريم:سألتقط الكثير من الصور وأرسلها إليكِ وربما أتمكن من عمل فيديو مباشر (لايف) لتكوني معنا.
فاحتضنتها ثانياً وربتت عليها وهي تنظر لأعلي أي تدعو لها.
جاء اليوم التالي وقد أعدت مريم كل شيء وأعدت نفسها وما سترتديه ، كان إشتياقها الأول بحضور أمها ومجيئها أكثر من أي شيءٍ آخر.

إستعدت مريم وإرتدت فستان هاديء وبسيط وصففت شعرها وتركت له العنان ووضعت القليل من مساحيق التجميل بقدر ما يضيء وجهها لتحافظ ، كم بدت جميلة ذلك اليوم ؟!!
ظلت مريم جالسة تنتظر أمها حتى علمت بقدومها فخرجت لإستقبالها على السلم بعفوية شديدة فقد نسيت كونها عروس اليوم.

كانت ليلى تسير متأبطة حسام بإحدى يديها وبالأخري إياد وخلفهما منى وهاني ، وقبل أن تصل للطابق الثاني وجدت مريم أمامها وعانقتها بشدة وشوقٍ كبير حتي أن ليلى بدأت تتألم من شدة عناقها وكاد يختل توازنها فهمس إياد لمريم أن تكف فقد أرهقت أمها .
قالت ليلى مداعبة لإبنتها : هل هناك عروس تجري على السلم هكذا ؟!!!
فقال إياد بمزاحٍ وغمزة:كأنها لا تقوي على بعدي !
فإنتبهت مريم لنفسها فعادت للخلف قليلاً فقد أدركت أنها العروس وبدا وجهها أكثر خجلاً وقد أعجب إياد بذلك كثيراً ، وإذا بصوت أبيها من خلفها.

أحمد:لماذا تقفي هكذا يا مريم ؟!! إذهبي !
فأسرعت مريم للشقة وإختفت عن الأنظار ، بينما جاء محمد وسلّم على أمه فعاد إياد للخلف خطوات ليسمح لمحمد الإمساك بيد أمه وحل محله.
وصل الجميع للشقة وجلسوا وبعد التحية والترحاب بدأ الحديث التقليدي في طلب الخطبة وتفاصيل الزواج وتلك الإتفاقيات المتعارف عليها.

ولما إنتهوا من الحديث نادى أحمد على إبنته التي كانت بالداخل وعدّلت هيئتها وخرجت تحمل صينية بها أكواب من العصير ، ومنذ أن دخلت و عين إياد معلّقةٌ عليها وقد شعرت بذلك لدرجة أربكتها فأشارت لها أمها تضع الصينية على المنضدة قبل أن تسقط من يدها فوضعتها ونادى عليها هاني لتجلس بينه وبين منى مربتاً عليها ومقبلاً جبهتها بينما منى إحتضنتها وقبّلت خدها فأشعاراها بوالديها الجدد.
وكانت ليلى تجلس متوسطة حسام ومحمد ، بينما إياد يجلس بجوار أحمد.

كان أحمد يرمق حسام بنظراتٍ حادة إذ أنه كان يسند ليلى و ممسكاً بيدها وها هو الآن يجلس بجوارها مقرّباً هكذا !
قرأ الجميع الفاتحة فزغردت منى وعانقت العروسان وقبّل جبهتها هاني فرمقه إياد فجذبه أبيه وعانقه بشدة وهمس له في أذنه بشيءٍ ما يبدو أنه قد شتمه فإبتسمت مريم من هيئتهما ثم قامت لتعانقها أمها ثم وقف حسام وقبّل جبهتها وعانقها أبيها وأخيها ثم عادت لتجلس مكانها.

وسلّم إياد أيضاً معانقاً الجميع ثم انحنى إلى ليلى الجالسة وقبّل يدها وجبهتها فإبتسمت له بنظرة توصيه عليها قد أدركها ، وكانت منى تعانق صديقة عمرها وتطمئنها أن مريم إبنتها ،فبدّل هاني بينه وبين إبنه ليجلس بجوار عروسه التي إزداد خجلها بمجرد جلوس إياد جوارها ،وشعرت بشدة ضربات قلبها حتى إنها قد إستحيت أن يسألها أحدهم عن تلك الطبول التي يدقها ذلك الكائن باليسار.

أخذ إياد من أمه علبة صغيرة ففتحها وأخرج دبلة ولبّسها لعروسه ثم خاتماً ثم قبّل يدها وعينه تعانق عينها وتترقرق من شدة فرحته ، بينما أخذت هي دبلته وألبستها له وضغطت ضغطة خفيفة على يده فإحتضن يديها بيديه .
وكان محمد يلتقط العديد من الصور كما وصته أخته ليرسلها إلى جدته تواً ، كانت الجلسة رغم بساطتها إلا أنها كانت رائعة ولا تخلو من الضحك والمزح خاصةً ذلك الثنائي إياد و والده.
كان أحمد سعيد بإبنته وسعيد لرؤية ليلى جالسة أمامه وتبدو مشرقة نوعاً ما بسبب سعادتها الشديدة ، فلم يتوقف وجهها عن الضحك والإبتسامة.

حتى وقف حسام فجأة فإنتبه إليه الجميع ، فقال : لأن السعادة تجلب سعادة دائماً ، وبمناسبة هذا الجمع الرائع أعلن إليكم خطبتي على ليلى.
وأمسك بيدها مشبكاً بها وهي تنظر إليه بسعادة كبيرة لم تُرى على وجهها من قبل.

فأكمل قائلاً:وخلال أيامٍ قليلة سنتزوج ونسافر لإجراء الجراحة بالخارج، وذلك عقب ظهور نتيجة الفحوص الأخيرة.
سعد الجميع وباركوا بإستثناء محمد الذي وجم وأحمد الذي إستشاط غضباً وغير مصدّق أنها قد صارت لغيره.
جلس حسام وناولته أخته علبة أخرى فأخرج خاتم وألبسه لها برقة شديدة يخشى أن يؤلمها وعينه معلّقة بعينها تحكي قصيدة عشقه الهائم وقد وصلت إليها كلها فأعطاها دبلته لتلبسها إليه ثم إحتضن يدها بحبٍ كبير واضحٌ للجميع فهي عشق السنين حتى وإن لم يكتشفه إلا قريباً، لكن تدفقت عواطفه وأحاسيسه بأثر رجعي كأنه كان مدخراً لكل تلك الأشواق.

ود أحمد لو ترك المكان فوراً لكنه يخشى إفساد فرحة إبنته فظل صامتاً حتى ينتهي هذا اليوم.
ولم يكف إياد ومريم عن الحديث إطلاقاً ثم فتحت مريم هاتفها وقامت بعمل مقطع فيديو لايف كما وعدت جدتها لتشاهدها وهي عروس وتشاهد عريسها الذي حتماً ستحضره إليها قريباً لتراه.
كانت مريم تمرر الكاميرا على كل الجالسين وتقوم بدور المعلّقة حتى وصلت لأمها فتفاجئت عليّة بهيئتها فلم تراها منذ أشهرٍ طويلة قبل معاناة المرض وجلسات العلاج القاسي ، وهي التي لم تكن مصدقة لها وتتهمها بالإدعاء بالمرض فتألمت من أجلها كثيراً ، وكذلك عندما رأتها ليلى قد أشفقت عليها للغاية وابتسمت إليها بعينٍ دامعة وقالت :شفاكي الله وعفاكي ، وزادكي شفاءً.

وبعد فترة همّ الجميع بالإنصراف فقالت مريم :كنت أظنك ستباتين معي اليوم !
ليلى:صعبٌ يا ابنتي.
مريم :رجاءً!
حسام:لا،  لقد كان الإتفاق سنذهب معاً ونعود معاً، لا خروج نهائي إلا معي وإلى بيتي، فأنا لا أطمأن عليها إلا بصحبتي.

وضمها إليه وقبّل رأسها .
إنصرفوا جميعاً وأسرع أحمد إلى شقته مسرعاً، جلس يتذكر كل ذكرى جمعته بليلى منذ يوم زواجهما الأول وعلى مدار أعوام وأعوام… حتى تذكر كل إهاناته لها وأوجاعها التي تسبب فيها… حتي ضاعت منه بلا عودة.

مش مصدق إن جنبك حد غيري مش انا
وإني ماشي خلاص وسايبك بعد عشرة كام سنة
  لكن الغلطة مش إنتِ إني ضيعتك حبيبتي
وهكذا كما يُقال لا يملأ عين إبن آدم إلا التراب ، يظل يتمرد و يتبتر حتى يفقد ما في يده ، و وقتها فقط يشعر بقيمته……. لكن بعد فوات الأوان.
وللحديث بقية،

https://www.barabic.com/real-stories/12991

تعليقات (1)

إغلاق