رواية قبل نهاية الطريق (الجزء الثاني والعشرون)

رواية قبل نهاية الطريق (الجزء الثاني والعشرون)

لم ييأس حسام وظل ويحدثها مراراً وتكراراً كل يوم لكن بلا جدوى حتى الآن ، كان بداخله أمل كبير ورجاءٌ من الله أن تلك الغيبوبة ليست بفعل إتلاف قد أحدثه الورم بل هو مجرد مناورة من مناوراته وستسترد وعيها وتعود إلى الحياة في وقتٍ لاحق.

أما مريم  فقد ظهرت نتيجة تنسيق الجامعات وقد إلتحقت بالطب فعلاً فاتصلت بمنى تخبرها.
منى :مريومي مرحباً ! كيف حالك عزيزتي ؟!!
مريم:بخيرٍ الحمد لله.
منى:صوتك سعيد ! هل هناك خبر سار ؟!!
مريم:أجل ! لقد إلتحقت بكلية الطب وقد وصلني اليوم ما يفيد ذلك.

منى:ألف مبروك عليك ، أتمنى نجاحك دائماً كل عام حتى التخرج وبتقدير.
مريم:آمين ، كنت أريد أن أُسعد أمي بتلك الإخبارية ، إن لم تمانعي أن تحضري معي أو تأخذي من عمي الدكتور حسام الإذن ؟!
فسكتت منى ، فأكملت مريم :خالتي ! هل تسمعيني ؟
منى بصوتٍ مضطرب:أسمعك بوضوح.

مريم بإرتيابٍ وقلق: ماذا هناك خالتي ؟!!!
منى:أ..أ… أ….  حقيقةً لقد ذهبت والدتك في غيبوبة منذ عدة أيام ولم تسترد وعيها حتى الآن.
مريم بفجأة :كيف لا تخبريني ؟!!!
منى:كان لديّ أمل أن تسترده فوراً مثل كل مرة لكن….
فبكت مريم :إني ذاهبة الآن.

وأغلقت الخط وبدّلت ملابسها مسرعة وهي تشهق من شدة بكاءها ، وبينما هي تفتح الباب وجدت أباها أمامها.
أحمد بريبة:ماذا هناك ؟ لأين أنت ذاهبة بحالتك تلك ؟ هل حدث مكروهٍ لأمك ؟!!!
مريم تبكي:أمي فقدت وعيها من جديد وأنا ذاهبةٌ إليها.
فذهب معها أحمد إلى المستشفي وما أن وصلا وهبطت من السيارة مسرعة تركض لداخل المشفى حتى وجدت أباها يتبعها فتوقفت فجأة.

مريم:أبي ! لأين ستذهب ؟!!!
أحمد :سأجيء معك لأراها بالتأكيد.
مريم :لكن….
أحمد :ستقولين لي الزيارة ممنوعة بالطبع ،سأدخل مثلما ستدخلين، لم أراها منذ…. هيا هيا…
واضطرت مرين للسير معه رغم شعورها بخطأ ذلك خاصة مع تشديد حسام على من يزورها ، لكنها أملت أن الأمر يمر بسلام.

وصلا الإثنان لغرفة العناية المركزة ولم يكن هناك من أحد لا طبيبٍ ولا ممرضة، فدخلا وكانت تلك المرة الأولى التي يرى أحمد ليلى بعد شهورٍ طويلة من معاناة المرض وجلسات العلاج الكيميائي ، فقد تبدّل شكلها..وهنت كثيراً..تضآل حجمها.. شعرها بغطاء رأس كان متحركاً بصورة قد أظهرت فراغ رأسها.. العينان غائرتان ومحاطتان بهالاتٍ سوداء.. واللون الأصفر المتقيّح هو الغالب على بشرتها وشفتيها.

لقد أفزعه شكلها وهزته هيئتها كثيراً ، فلم يكن في ذهنه صورة لها سوى هيئتها الجميلة وشعرها الطويل وشفتيها الكرزتين ، فضحك بإستهزاءٍ لنفسه ، كأنه يقول لها

 وماذا فعلت عندما كانت بجمالها وصحتها؟!!
لقد أهملتها وأهانتها وخنتها واستهلكتها ، ألا تذكر كيف كانت تتفاني من أجلك ؟!!
كيف تفننت في إسعادك وإرضائك؟!!
كيف لم تقابل كل ذلك إلا بالسخط والمقت والنقد المستمر؟!
كيف كنت تراها تتألم مراراً ولم تهب لتذهب بها لطبيب ؟
كيف رأيت التعب يزحف عليها دون حراكٍ منك ؟
فهذا كله وليد أعوامٍ حتماً.

بينما كان أحمد واجمٌ وغارقٌ في أفكاره كانت مريم تحتضن أمها بشدة وتبكي وتحدّثها :أمي !  أمي !  أنا مريم يا أمي ، أنت تسمعيني أليس كذلك ؟! لقد جيئتك يا حبيبتي ، أمي لقد نجحت والتحقت بكلية الطب ،هيا إنهضي وإفرحي بي ! لا تتركيني أمي ! أحتاجك بشدة أمي !
فإنتبه أحمد وعاد من شروده و نادى على إبنته :مريم !كفاكي ما تفعليه !
مريم :هي تسمعني وستنهض فوراً.

أحمد:إتركيني معها قليلاً.
فنهضت واقفة تحدق في أبيها فجأة ، فقال:ماذا بك ؟!!! أقول إتركيني معها قليلاً.
فاضطرت للخروج ولازالت تبكي ، ولما خرجت وأغلقت الباب خلفها وأجهشت بشدة ويدها على وجهها تنتحب وهي تسير بضع خطوات للأمام دون إنتباه وفجأة قد إصطدمت بشخصٍ ما لكن لم ترفع عينيها وإستمرت في البكاء بل استقرت بين ذراعيه تنتحب بمرارة شديدة ، ظل ذلك الوضع وبعد فترة إنتبهت لنفسها وجففت دمعها لتتفاجأ أنها داخل حضن…. حضن من ؟!!

رفعت عيناها وهي تتحرك للخلف وتدفع تلك الذراعان من حولها بفجأة وانزعاج لتجده إياد.
تلاقت العيون لقاءً طويلاً وقالت الكثير ثم قال إياد قاطعاً هذا الصمت.
إياد:كيف حالك يا مريم؟
مريم بتبلد:بخير.
إياد :مباركٌ نجاحك.
مريم: مباركٌ حصولك على الماجيستير.

فسكت قليلاً يستوعب ذلك الجفاء واللامبالاة ثم قال:مريم ! ما الخطب ؟! كأنك متغيرة ؟!
مريم:أنا ؟!!! إطلاقاً ، المهم هل هناك شيء ما ؟
إياد: لا.

تركته مريم وسارت بضع خطوات وهي تجفف دمعه وتهندم ثوبها وشعرها، فتتبعها إياد ويبدو صحة حديث أمه عنها حول أنها قد تتركه ببساطة لو جفاها حتى تجرأ وقطع طريقها.
مريم:نعم ؟!!
إياد:هل لي أن أتحدث معك ؟
مريم:لا حديثٌ بيننا.

إياد:بل هناك الكثير وأنت تعلمي.
مريم:أنا لا أعلم شيء، فإن كان لديك شيء فقله وبسرعة !
إياد:طريقتك لا تعجبني.
مريم:لكنها تعجبني ، خيراً ، ماذا تريد ؟!
أخذ إياد نفساً عميقاً وحاول السيطرة على نفسه فقد بدأ يغضب حقاً.
إياد:أعلم أنك غاضبةٌ مني.
مريم بتهكم :أغضب ؟!! لماذا ؟!!!

إياد:أرجوكي قدري موقفي ، كان عليّ أن أبتعد لفترة، قد أُجبرت على هذا.
مريم:أُجبرت ؟!!! أجبرت تختفي ، تختفي تماماً ؟!!! إمممممممممم ! وماذا بعد ؟!!!
إياد:مريم ! لا تثيري غضبي !
مريم:لم أفهم ماذا تريد ، هل لك أن تكون مباشر ؟!!
إياد :كنت أريد قول أني كنت محتاجاً لوقت أُقيّم نفسي… لوقت أتأكد فيه.
مريم :تتأكد من ماذا ؟!!
إياد:من إحساسي بك.

بدأ يظهر عليها الإرتباك بشكلٍ لاحظه جيداً فأكمل قائلاً:مريم ! لقد تفاجئت نفسي أحبك ، وكنت أريد أن أتأكد وأعطى لنفسي فرصة و…
مريم:تعطي لنفسك فرصة لترى إن كنت أليق بسموك أم لا ؟!!!
إياد:إنتهي عن تلك السخافة وطريقة الأطفال  !
مريم:لست بطفلة.
إياد:هكذا تكوني طفلة.
مريم:أخبرني ماذا تريد ؟!!
إياد :وغبية.

مريم:إحترس إن لم تتقن حديثك معي وتنتقي ألفاظك جيداً فسأمشي فوراً.
إياد:إستهدي بالله ، أحبك يا مريم وكنت أود التأكد.
مريم:لماذا ؟
إياد بمزاح:لماذا أحبك ؟
خبطته في كتفه وقالت:رخم.
فضحك وقال: مقبولك منك يا قمري !
مريم:ومن يحب أحد يبتعد عنه هكذا ؟!! يتركه يتسآل ويحدّث نفسه ويضرب أخماساً في أسداس ؟!!
إياد:تلك المرة الأولى لي ، وقد تصرفت بغشومية منقطعة النظير ،هه ! وماذا عنك ؟!!
مريم:إمممممممممم ! عادي.

إياد :عااااااااادي !
مريم :ماذا تريد الآن ؟!!
إياد:قلت أحبك.
مريم:حسناً !
إياد: لا تثيري غضبي !
فخبطته علي كتفه وقالت :أنا أيضاً ، هل ارتاحت ؟!!
إياد:هناك طفاية حريق إضربيني بها أفضل من لكماتك في كتفي تلك.
مريم:سأمشي كل هذا ؟!!

إياد:أري أنك تنوين علي رفع ضغطي.
فردت بدلال :لا أري فيك أذيً أبداً يا ديدو !
إياد ببلاهة :ماذا ؟!!!
فضحكت فأمسك بيدها وقال:أحبك وأعشق رقتك ودلالك هذا.
ثم قبّل يدها وخلل أصابعه بين أصابعها وقرّبها لجواره فسندت برأسها علي كتفه.

وبينما هما هكذا إذ جاء حسام رآهما فابتسم ثم إقترب نحوهما وقال مازحاً :في الطريق هكذا ؟!!!
فإنتبها إياد ومريم فإبتعدت عنه فجاة بينما إياد يفرك بأصابعه في خلف رأسه.
إياد:مرحباً خالي !
حسام: مرحباً !أليس باكراً على مثل تلك الحركات ؟!!
فهزت مريم رأسها أن نعم في حرجٍ ظاهر.
إياد يريد تغيير الموضوع :لقد إلتحقت مريم بكلية الطب.

حسام:والله ! ألف مبروك مريوم.
فنظرت إليه بإمتنان وقالت:الله يبارك فيك يا عمي.
لكنها اكتشفت إرهاقاً وتعباً شديداً بادٍ على وجهه أو ربما حزنٍ شديد وعيناه ذابلتين ومحاطة بهالاتٍ سوداء وقد نبتت لحيته بإهمال، فهيئته حقاً أنه يعاني و ودت لو تسأله لكنها قد استحيت.
مريم:متى ستسترد أمي وعيها ؟!!
حسام:ستنهض إن شاء الله.

قالها بحزنٍ وشجنٍ عميق وقد أُرسل ذلك إليها رسائل معينة وإدراك لشيءٍ ما.
وضع حسام يديه علي كتفيها مربتاً وقال: الأهم أن تركزي في دراستك ومستقبلك…. ومستقبلك هه ! أري أن تتركيه يعاني مقدار خمس أو عشر أعوام.
رد عليه إياد وعينيه على يدي خاله: ولماذا عشرة أعوام يا خالي ، يمكنها القيام بالدبلوما وهي زوجتي.
حاول حسام كتم ضحكه من غيرة إبن أخته وإنزعاجه الظاهر ، فأخذ بيدها من ناحية وبيده من الناحية الأخرى ثم قال :هيا نذهب لنرى ليلى !

وتذكرت مريم أمر أبيها فتوقفت فجأة عن السير فتعجب كلاً من إياد وحسام.
إياد :لماذا توقفتي ؟!!
فنظرت بعينها أرضاً في إرتباك دون رد ، فشعر حسام بخطبٍ ما وقال: ماذا هناك يا مريم ؟!
مريم:إن…إن..إن أبي بالداخل.
حسام وقد رفع نبرة صوته:قولتي من ؟!!!

مريم :لقد وصلّني وأصرّ على الدخول معي ولم أستطع منعه.
حسام:ألا تعلمي أن الزيارة ممنوعة و زيارتك أنت إستثنائية وحتى أخوكي عليه مقابلتي قبل دخوله لأخبره بما ينبغي عليه فعله.
مريم:أعتذر منك… لكن……
وقاطعهم صوت صراخٍ يأتي من غرفة العناية المركزة.. إنه صوت ليلى..
وللحديث بقية،

https://www.barabic.com/real-stories/13006

تعليقات (1)

إغلاق