رواية قبل نهاية الطريق (الجزء العشرون)

رواية قبل نهاية الطريق (الجزء العشرون)

وجاء اليوم الموعود وبداية جلسات ذلك العلاج القاسي عفاكم الله منه أنتم وكل أحبائكم ، العلاج الكيميائي وآلامه ومتاعبه ، ذلك العلاج الذي مجرد دخوله الجسم يهدم البدن ويزيده وهناً وألماً، ربما تتسرب قطرة منه على سطح الجلد فتسبب احتراقاً فيه فما بال بسريانه بداخل الجسد.

بدأت جرعاتها ولا تدري إن كان دواءً أم داءً لقد زاد الوجع أكثر من ذي قبل ، فقدان الشهية تماماً وإشمئزاز من الطعام والروائح و رغبة مستمرة في التقيؤ ، حتى الأصوات تثير الألم ، تناقص وزنها وتقيّح لونها وغارت عيناها أكثر وتساقط شعرها وذلك أكثر شيء يؤلم الأنثي أن تفقد شعرها لتشعر أنها فقط أنثى بموجب الأوراق الرسمية.
لم تدري ليلى لماذا ولا كيف وافقتهم على تلك المعاناة فلم تعد تتحمل الآلام المبرحة حتى فيما بعد فترة العزل لم تكن تطيق نظرات الشفقة التي تجدها ممن حولها وهو يتصعّبون على حالها ، كان حسام يعرف جيداً كيف يتعامل معها كما تحتاج وكما تريد بالضبط ، ربما لكثرة تعامله مع حالاتٍ مشابهة أو ربما لسبب آخر……. يستبعده.

أو يمكننا قول أنه لم يتوقعه ، ذلك الإنجذاب الغريب نحوها وتلك العاطفة الجياشة المتسللة رغم أن الأمر ظاهرياً يبدو غير منطقي فهي في الواقع حالة حرجة تصارع الموت ،يُجرب معها طرق العلاج ربما تفلح وربما……..
لم يجد إجابات لتلك التساؤلات التي تدور دائماً بداخله فتركها جميعها معلّقة بدون إجابات ، لكنه كان أغلب الوقت معها يجالسها ويخفف عنها ويتسامر معها ويمازحها ، لا يشعر بالوقت معها ولا يمكن أن يمر عليه يوم دون رؤيتها بدل المرة مراراً.

وقد انتاب ليلى نفس ذلك الشعور ورغم أنها أقنعت نفسها أنه مجرد طبيب يتفاني في دوره مع مرضاه لكنها فضلّت الإستمتاع بذلك الإحساس بداخلها ولا تطمع بأكثر من ذلك وهي الآن في نهاية الطريق.
كانت منى تزورها كلما سُمح بذلك وكانت تُحضر معها مريم وأحياناً محمد أيضاً لكن لم يخفيه على حسام تألم مريم وحزنها على أمها فقلل من عدد زياراتها فهي لا تحتاج سوى لطاقة إيجابية.

ورغم مجيء مريم مع منى للمستشفى كثيراً لكنها لم تلمح إياد من زمن ، كانت تبحث بعينها عنه منذ أن تطأ المستشفى لكنه قد اختفى و ودت لوتسأل عنه منى لكنها تتحرج.
جاءت إمتحانات الثانوية العامة وقد إستماتت مريم في مذاكرتها فسقف أحلامها عالٍ وتزامن في نفس التوقيت مناقشة إياد لرسالة الماجستير وقد علمت ذلك من الخبر والتهاني والصور عبر مواقع التواصل الإجتماعي فقد أرسل لها ذات يوم طلبٍ للصداقة لكنهما لم يتحدثا أبداً .

وذات يوم كانت منى في البيت وإياد يجلس جانباً يعبث بهاتفه وقد صار هذا حاله من زمن.
كانت تتابعه وتتابع شروده ثم تابعت ما يشرد فيه وقد كان ما توقعته ، صورة لمريم قد نشرتها على صفحتها عبر موقع التواصل الإجتماعي آخر أيام إمتحاناتها ، كم كانت صورة رائعة رغم التعب الظاهر عليها ربما نتيجة عناء المذاكرة أو أحوال أمها أو كلاهما معاً .

كانت عيناه تنظر وبداخلها عشقٌ كبير مع حزنٍ عميق وغيرةٍ شديدة فكثيرون قد تطلعوا لتلك الصورة ، فمهما مرت الأيام وإنشغل بعمله ودراسته ومستقبله كما نصحه خاله لكن كل ذلك لم يحل مكانها ولم يسد فراغها، لكن ماذا عنها هل حالها مثله أم لم يفرق معها ؟!
منى :ماذا بك يا بني ؟

إياد بفجأة و أغلق هاتفه:هه ! ماذا ؟ أنا بخير الحمد لله ، ربما إرهاق العمل والمذاكرة فقد بدأت في إعداد رسالة الدكتوراه.
منى:اممممممممم ! بالتوفيق ، لكن لا أحب اللف ولا الدوران ، أنت تفهم وأنا أفهم ، لماذا أنت متخاصمٌ مع مريم ؟
إياد مسرعاً :أنا ؟!!!! إطلاقاً ….لماذا تسألين أمي ؟
منى:قولت لا أحب اللف والدوران ، هل ندمت لأنك تعلّقت بها أم  إرتاحت عندما علّقتها بك ثم تركتها؟
إياد:لا لا ، لكن…. ليس الأمر كما تقولين.
مني:إذن ما الأمر ؟

إياد :لازالت صغيرة والطريق أمامها طويل ولن أقتل طموحها.
منى:لم أقل لك تزوجها في الصباح، يمكنك خطبتها الآن وقراءة الفاتحة مثلاً ، وحتى تنتهي من دراستها تكونا قد تأكدتما من مشاعركما .

وتركته وانصرفت ، وذات يومٍ وقد ذهبت منى إلى ليلى في المستشفي دون مريم فأحوال أخيها أيضاً لا تدل إلا على حالة عشقٍ تعصف بقلبه وكل وجدانه ولازال يكابر ولا يعترف ، وبرغم سعادتها لأن جمعتهما تلك المشاعر الرائعة لكن لم يتمكنا من الإستمرار معاً……. مالك يا أخي لا حظ لك مع زواجٍ ولا حبٍ ؟!!!
ذهبت منى ودلفت لغرفة ليلى وكان حسام كعادته معها ويمازحها ويضحكا فهو يحاول بشتى الطرق  ليسلّيها ويخفف عنها ،دخلت منى تسلم عليهما وقالت بدعابة واضحة : لوليتا كيف حالك ؟ أرى أن ضحكتك لا تظهر سوى بالمشافي !
استوقف حسام الإسم بينما ردت ليلى بضحك: حسناً لا يهمني ، المهم أني صرت أعرف كيف يكون الضحك.
حسام:ماذا قولتي ؟ لوليتا ؟!!!

منى:ماذا بك يا أخي ؟!! هل الإسم قد حظرته في قائمة الممنوعات هو الآخر ؟!!!
حسام: أنتما صديقتان منذ متى ؟
منى:ماذا دهاك يا حسام ؟ هذه ليلى لوليتا صديقة الطفولة وعِشرة العمر، كأنك فقدت الذاكرة فجأة !!
أنتما معاً منذ أشهر ولم تعرفها بعد ؟!!!
حسام:أنت من كنتي تقيمين مع منى دائماً وأركض خلفكما كسائق يوصلكما من مكانٍ لمكان ؟!!
فضحكت ليلى :كأن ذلك لازال يؤرقك حتى الآن  !
منى:ما هذا ؟!! أنت حقاً لم تكن مدرك أنها هي ؟!!

فهز برأسه أن لا بصدمة كبيرة ثم قال: لم يخطر ببالي أن ليلى هي تلك.
منى :بلى هي تلك ، ألم تتذكر بعد ؟!!
ليلى ولازالت تضحك:كيف لم تتذكرني ؟!! سأخاصمك… قالتها بطفولية مصطنعة.
منى: يا عزيزتي لقد اختلفتي تماماً وتغيّر شكلك كليّاً.

فإختفت الضحكة من وجه ليلى فجأة وتغير وجهها تماماً فنظر حسام لأخته بحدة محذراً لها.
ثم قالت منى:لا لا لم أقصد شيء، إني لأتحدث عنك وأنت صغيرة عندما كنتي لا تزالي بشعرك….. ييييي أووووووف ! أقصد قبل الحجاب وقبل أن تكبري وتحملي هموماً و……
رمقها حسام بغضبٍ شديد وقال : منى ! لقد انتهى وقت زيارتك ، هيا إذهبي واغربي عن وجهي ولا تأتي مرة أخرى.
ليلى:لا عليكي عزيزتي، أفهم قصدك.

قالتها بتفهّم إلا أنها لا زالت لم تتقبل الكلام من داخلها وبدأت تحاول الإندماج من جديد وتكتم وجعها من أثر الكلام بداخلها.
فقالت تحاول الضحك مرة أخرى وكأن وجهها قد تيبّس وفقد مرونته وقدرته علي معاودة الضحك : كيف لم تتذكرني ؟!! لقد كنت أجعلك تخرج خصيصاً لتشتري إليّ الشيكولاتة ومختلف الحلويات ، أتذكر هل كنت تستطيع الذهاب لوسط البلد دون أن تشتري لي الأرز باللبن وعليه الآيس كريم وقرطاس الفشار الكبير ، حتى أني قد أتيت زفافك وكنت أرتدي نفس فستان منى لأننا أخوات العريس ، وقد جئت إليك بصحبة أمي رحمها الله مراراً عندما وقع لك ذلك الح…

وهنا توقفت وتيقنت ماذا قالت ،لقد خربت الدنيا بكلماتها تلك وأحيت جراحاً وذكرياتٍ أليمة… رأت ذلك في تغيّر وجه حسام وإحتقانه فجأة ،بينما كانت منى تنظر إليها وتغمز لها لتسكت.
ليلى:أعتذر بشدة ، أقسم لك أني لم أقصد ، لا أعلم كيف خرجت مني كلماتي الغبية ، يبدو أن الورم قد ذهب بعقلي فصرت لا أعي لما أقول.
همست لها منى :ماذا تقولين ؟!! إنك تزيدي الأمر سوءاً هكذا.
ليلى:لم أقصد ، والله لم أقصد.

منى:لا عليك أخي ، كما تعلم فهي مدب يسكب من فمها الكلام بلا وعي ، لكنها لم تقصد إطلاقاً.
حسام بإقتضاب :لم يحدث شيء.
وخرج مسرعاً دون أي فرصة لأي كلمة أخرى لكن وجهه قد صار غير الوجه ، تركتها منى وذهبت خلف أخيها للإطمئنان عليه لكنه طلب منها أن تتركه بمفرده ، لا يريد أحداً الآن.

بينما حلّ بليلى شعورٌ أليم بالذنب لم تقوى عليه فظلت تؤنب نفسها كثيراً ومرت أيام وأيام ولم يأتي حسام أو حتى يمر مروراً، لقد اختفى ولم يظهر إطلاقاً ، لقد افتقدته بشدة ولم يعد لديها سوى اليأس الذي احتلها من جديد وبدأت تبكي وتنتحب بإستمرار ، فوجوده لا يحل محله أحداً غيره ، لقد ترك فراغاً كبيراً .
وللحديث بقية ،

https://www.barabic.com/real-stories/13012

تعليقات (1)

إغلاق