رواية قبل نهاية الطريق (الجزء التاسع عشر)

رواية قبل نهاية الطريق (الجزء التاسع عشر)

وافق محمد أن يذهب مع أخته مريم إلى ليلى للمستشفى وتركها لتكمل إعداد الحقيبة مسرعة فهي تنتظر الغد بفارغ الصبر.

خرج محمد من غرفة أخته وبداخله وجع وجرحٍ كبير على ما إقترفه في حق أمه من سوء معاملة وظن السوء ، وما إقترفه في حق أخته التي ذاقت منه ألواناً من الإهانة بأمرٍ من أبيه وجدته لمجرد أنها لم تصدق ما قيل في أمها و ودت العودة إليها.

دخل غرفته لينفرد فيها ويترك لدموعه العنان ، فأمه مريضة بمرضٍ خطير حتى لو لم يعرف الكثير عن تفاصيل حالتها لكن يبدو أنها وصلت لدرجة خطيرة…. لدرجة ستؤودي بحياتها ، عليّ الإسراع في الذهاب إليها وطلب السماح منها قبل أن تفارقنا فراقٍ لا رجعة فيه.

سأصلح كل شيء وأكون السند لك يا أمي إنت و أختي بقدر ما أستطيع ، لن أسمع لأي كلامٍ غير معقول ، ولن أهين أختي المسكينة من جديد……يا رب أطل في عمرها حتى تراني وتسامحني وتسمع مني ما يطمئن قلبها.
هكذا كان محمد يحدّث نفسه ويدعو لأمه ، فمهما بدا متبلداً لكن بداخله الكثير من المشاعر الحية.
وفي اليوم التالي ذهب محمد بأخته إلى المستشفى لكنها قد أخبرتها بأن الطبيب المعالج يريد مقابلته أولاً قبل الدخول لأمه.

وبالفعل ذهب لمكتب دكتور حسام و طرق الباب ثم دلف لداخل غرفة المكتب وكان إياد يجلس جانباً كأنما كان يسجل أشياء من كتبٍ علمية عملاقة ، لم يتدخل في أي حوار بل كان يتابع حوارهما من حينٍ لآخر في صمت.
وبعد التحية والسلام.
محمد:قد أخبرتني مريم برغبة حضرتك في التحدث معي ، وتلك رغبتي أيضاً.
حسام:وذلك يسعدني للغاية.

محمد:علمت بأنها ستعيد فحوصاتها وستبدأ علاجها قريباً في ضوء النتائج.
حسام:إن شاء الله ، فالله علي كل شيءٍ قدير.
محمد:إذن هل هناك فائدة لبرنامج العلاج هذا ؟!! الواضح أن حالتها متدهورة لأقصى درجة.
حسام:لا حول ولا قوة إلا بالله ، وهل هذا سؤال يُسأل ؟!!! أولاً عليك أن تعرف أني لا أقبل أي مقابل مادي قبل أن أجد نتائج واضحة ونسبة شفاء ، أي لا أستغل المرضى.

محمد:معذرةً لم أقصد ، لكن يبدو من حديثك أنها مجرد محاولات غير مؤكدة ، إذن فلماذا المجهود بلا فائدة ؟!!
حسام:لأننا أُمرنا بالأخذ بالأسباب ، ربما إن عُرضت حالة والدتك على غيري من الأطباء يرفض حالتها لأنها حالة ميئوس منها ، لكن أنا أحب المجازفة حتى لو كانت نسبة الشفاء لا تتعدى 1%.

سأحكي لك قصة ربما تفهمك قصدي ، هي في الحقيقة قصتي… منذ أكثر من عشرين عاماً ، وعشرون عاماً في عالم الطب تعني فارقٌ خطير ، كنت شاباً حديث التخرج في مقتبل العمر حديث الزواج ، لكن تعرضت وقتها لحادثٍ مروّع وكانت حالتي حرجة لم تقبلني المستشفيات نزيف داخلي وكسور في سائر جسدي وتهتكات وجروح بالغة الخطورة ، حتى المستشفى التي قبلت حالتي أخيراً قررت أني ميّت ولا داعي لبذل أي مجهود معي لأني سأتعذب بدون فائدة ، ثم أكتمل الموقف برفع زوجتي العروس التي المفترض أن تزوجنا عن حب ترفع دعوى طلاق ، يعني لازالت في ريعان شبابها وجمالها ترى تترمل أم تُطلق ؟!! خاصةً عند قول الطبيب حتى لو كُتبت نجاتي فلن أُنجب أبداً…..

هل تعلم أني قد تمنيّت الموت مراراً.. مثل والدتك تمام وتحولت لكائن غاضب ثائر حتى بدأت أرفض العلاج فلا داعي له، حتى قابلت رجل عظيم ، أستاذي ومعلمي وصارت بيننا صداقة عميقة بعد ذلك ، كان دائماً يرى الأمل وقد زرعه في وقواني ، خضعت لعدد من العمليات الجراحية والعلاج الطبيعي لشهورٍ طويلة ، ومهما زاد الوجع والآلام وأبدأ أيأس يجيء ويقويني إياك تيأس ، لا تستسلم للوجع والموت !

كان يقويني ويحفذني بكلامه دائماً ، وصرت أؤمن بالأمل وتشبثت به فخُلقت بداخلي قوة غريبة فقاومت بها و وقفت على قدماي بل وعشت عشرون عاماً بل وحققت الكثير من الدراسات في عدة دول وطوّرت عملي… لقد حكيت لك لتتعلم كيف تأخذ بالأسباب و تتوكل على الله ، وربك لم يخلق داء إلا وله دواء ربما نتأخر في إكتشاف هذا الدواء.
سنظل يا بني نسير خلف بصيص الأمل حتى يتحقق فنحمد الله كثيراً ، أما إن لم يتحقق فلن نكون قد خسرنا شيء وكله بأمر الله.
محمد:ونعم بالله.

حسام:هذا الكلام لا يمكن أن يقال أمام والدتك حتى ولو سهواً حتى ولو هي التي قالت من فرط ألمها وبطء النتيجة ، علينا قول العكس قول ما يبث الأمل والتفاؤل، حتى إحساسك هذا لايمكن أن يصلها، لذلك لن ألزمك بملازمتها وزيارتها المستمرة ، لكن زيارتك و وجودك أنت ومريم بجوارها هامٌ جداً ، سأخبركما كيف تتعاملا معها وكيف تتحملاها لحظات تواجدكم معها…. مفهوم إبني ؟!!

محمد :مفهوم.
حسام:هيا بنا.
خرج الإثنان وقبل أن يخرج ألقى حسام نظرة على إياد الجالس بصمتٍ تام فلا يدري ما أصابه ؟وإتجها للغرفة التي بها ليلى ثم أشار حسام لمحمد بالإنتظار بعض الوقت ، كانت مريم ترتب ملابس أمها بداخل خزانة الملابس الموجودة.
حسام:لن أسألك عن حالك مدام ليلى ، أري أن وجود مريم قام بمعجزة.
ليلى بإبتسامة :الحمد لله ، يارب ارزقها النجاح و وفقها واسعدها.

مريم :آمين.
حسام:إذن يا مريم نريد مذاكرة من نار هه ! أظن أن الكلام واضح ؟ إبهري أمك بمجموعك ونجاحك الباهر وأسعديها بإلتحاقك بكلية الطب.
مريم:إن شاء الله.
حسام:هناك ضيف غالي يريد مقابلتك وينتظر إشارة منك.

فترقرقت عينه بالدموع وهي تهز برأسها أن نعم لكنه أشار لها ألا تفعل ، وما كانت لحظات حتى دخل محمد بخطواتٍ متباطئة وينظر للأرض من الخجل لدرجة جعلته يسير بتردد.
رأته ليلى وسعدت للغاية وودت لو تقفز من مكانها لكن بمجرد أن حاولت النهوض بدأت تشعر بدوار فأسرع إليها محمد يعانقها ويقبل يديها ، وقف حسام قليلاً حتى تأكد من أن الأمور صارت على ما يرام فأشار لمريم أن تخرج معه.
وبعد عناقٍ طويلٍ باكٍ إبتعد محمد قليلاً عن أمه وهو يمسح دموعها بيده.

محمد:سامحيني يا أمي ، سامحيني أرجوكي !
فهزت ليهلي رأسها  بأن نعم وهي تبتسم وسط دموعها ثم قالت : أختك ، إعتني بأختك ! لن يكن لها غيرك ، إياك أن تسيء إليها أو تعنفها ، إحتضنها وقرّب منها وكن صديقاً لها .
فهز برأسه أن نعم.

مر وقتاً ليس بالقصير مع الأم وأبناءها ، مرت عدة أيام ومريم مقيمة مع أمها في المستشفي تعتني بشئونها ومعها في فحوصها ورأت تألمها في بعض ٍ منها من الفحوص الصعبة.
مضت الأيام المتفق عليها وأصبح على مريم الرحيل من المستشفي فمن الغد ستبدأ ليلى في جلسات علاجها فجاء محمد مجدداً ومكث مع أمه بعض الوقت ثم سلم عليها هو ومريم و غادرا المشفى.
وفي البيت كان أحمد قد عاد من سفره مع زوجته تلك تواً ويجلس مع أمه.

أحمد :كيف حالك يا أمي ؟ وكيف حال الأولاد معك ؟ لا أسمع لهما صوت !
عليّة : الحمد لله ، محمد يشبهك كثيراً يخرج إلى المحل طوال اليوم ولا يعود إلا مساءً.
أحمد :وماذا عن مريم أين هي ؟!!! لا اعتقد أنها بدرسٍ حتي الآن.
عليّة :مريم !!
وهنا دخل محمد ومريم من باب الشقة وكانا يتسامران ويمزحان ومعهما حقيبة كبيرة كأنها حقيبة سفر فوقف أحمد ينظر إليهما في إستفهام ،وما أن رأته مريم حتى أسرعت إليه تريد أن تحتضن أباها الغائب لكنه استوقفها فجأة بيده في مكانها ونظر إليها بحدة وقال : أين كنتما ؟

فقالت مريم وقد آلمتها طريقة أباها الجافة فقالت: كنت مع أمي.
أحمد بثورة وغضب:أمك ؟!!!
وأسرع إليه محمد يحول بينهما قبل أن يهم بضرب إبنته ثم إحتضنها وربت عليها محمد برقة ثم قال: لقد كانت مرافقة لها في المستشفى.
أحمد :ولماذا ؟!!!
عليّة بتهكم: يقال أنها مريضة.

محمد:كفاكي جدتي ، أمي فعلاً مريضة بل حالتها متدهورة لأقصى درجة ، لماذا تفعلين هذا ؟ لماذا تصرين أنها تمثّل ؟ أم تخافين أن يرق لها قلبك ؟
عليّة:إخرس يا ولد !
أحمد :لحظة يا أمي  ! مم تعاني أمكما ؟؟
مريم:ورم في الدماغ وقد وصلت لمرحلة متأخرة لأنها تأخرت في إكتشافه وفي الموافقة أن تتعالج ، أعتذر إليك أبي ، لن أستمع لأوامرك وسأظل معها ما تبقى من عمرها.

صدم أحمد وجلس فجأة وظل واجماً فأكمل محمد :أمي مظلومة أبي، كل مرة كانت تبيت فيها خارج البيت كانت في المستشفى فاقدة للوعي ، وقد تزامنت إحدى المرات بوفاة أم خالتي منى فإنشغلت عن تبليغنا، للأسف يا أبي حكمك عليها كان متسرع.
أحمد :وهي لازالت في المستشفى ؟
محمد:أجل ستظل هناك ، ستبدأ جلسات العلاج الكيميائي وستظل في فترة عزل و سنطمئن عليها من خالتي منى.
أحمد :ولماذا منى ؟!!!
مريم:لأن الطبيب المعالج هو أخيها وابنها ، ثم… ثم.. في جميع الأحوال لا يمكن لك أن تراها.
أحمد:لماذاااااا ؟!!!

مريم: غير مسموح إلا بأقرب الناس إليها.
أحمد :وأنا إبن عمها وكنت زوجها.
مريم:وقد جرحتها وآلمتها وأهنتها، وذلك أدعى لعدم زيارتك لها.
أحمد :هذا أمر لايخصك ولا يخص غيرك.
فنظرت إليه ثم إتجهت لغرفتها وأيضاً محمد ،وجلس أحمد واجماً ويبدو عليه الألم.
عليّة:كأنك قد حنيت ؟!

أحمد :كفاكي يا أمي ! لقد ظلمتها كثيراً و آلمتها وخنتها ثم ختمتها بإتهامي لها بالظن السوء ، لقد ظلت لأعوامٍ طويلة  تتمنى رضائي وإسعادي لكني لم أرضى يوماً ، تمنت مني كلمة واحدة أو القليل من الإهتمام لكن لم أفعل ، تعاملت معي على أنه طبعي ، ويوم أردت تأديبها وتزوجت عليها وجدتني أنتقم من نفسي ، لأن دينا لا شيء بجوار ليلى لا وجه شبه ولا مقارنة.

عليّة: وقد ظللت ذهاباً وإيابا إليها تصالحها لكنها لم تسامحك إطلاقاً.
أحمد :لأني قد كسرتها ودمرت كل ما هو جميلٌ بداخلها… أرجوك يا أمي لن أطلب منك أن تدعو لها ، لكن على الأقل إحترمي مشاعر الأولاد تلك الفترة العصيبة .
وللحديث بقية،

https://www.barabic.com/real-stories/13015

تعليقات (1)

إغلاق