رواية قبل نهاية الطريق (الجزء السابع عشر)

رواية قبل نهاية الطريق (الجزء السابع عشر)

عادت منى للمنزل لتعد نفسها لاستقبال زوجها الغائب بحفاوة وحب وفي اليوم التالي خرج إياد من غرفته ليجلس مع والديه وكان وجهه يبدو عليه الإرهاق الشديد وإن دل على شيء فإنما يدل على قلة النوم أو انعدامه.

وكان هاني من طبعه المزاح المستمر خاصةً عندما يكون عائداً من سفرٍ وكان غائباً لفترة فتكون جرعة المزحات مركزة وكأنها بأثرٍ رجعيّ ويمتليء الجو العام الضحك والمرح وكانوا قد افتقدوه من مدة بسبب وفاة أم منى ثم ظروف ليلى.

كان إياد يشاركهما حيناً ويشرد منهما حيناً أخرى ثم يتحدث في أمرٍ قد انتهيا منه وبدءا في غيره.
كانت منى تبتسم قليلاً من حالة إبنها فقد توقعت السبب لكنها لم تتوقع تلك السرعة ولا تلك الدرجة .
أما هاني فيشعر بغموضٍ إتجاه حالة إبنه إلا أنه لا يستطيع أن ينكر أن أعراض إبنه الطبيب ما هي إلا حالة حب ( هو الحب بغباوته).

وفجأة نهض إياد وقال لأمه :أمي رجاءً ! إتصلي بمريم إن كانت تود زيارة أمها لأمرّ عليها.
فنظرت له منى نظرة طويلة ثم أمسكت بهاتفها وإتصلت بها بالفعل :مريومتي ! كيف حالك عزيزتي ؟
مريم:بخير الحمد لله.
ثم قالت بهلع :هل حدث لأمي شيء ؟!!

منى:لا لا اطمأني ! أمك بخير ، أقصد كما هي ، المهم كنت أسألك إن كنتي تنوين زيارتها اليوم ؟
مريم :أنا في الطريق إليها بالفعل.
منى:حسناً عزيزتي ، إعتني بنفسك جيداً ،وبالنسبة إليّ ربما أحضر اليوم لرؤيتها وربما لا ، كما تعلمين أن زوجي قد عاد تواً من سفره وليس معقولاً أن أتركه وأخرج منذ اليوم الآخر.
مريم :حمداً لله علي سلامته.

منى: الله يسلمك ، طمنيني عليكي حال وصولك.. في حفظ الله.
وأغلقت الخط فأسرع إياد قائلاً: ماذا هناك ؟!!
منى بهدوء : لا شيء ، هي بالفعل في الطريق إليها.
فقال إياد بإنفعال :ماذا ؟!! ولماذا لم تنتظرني أمرّ عليها ؟!! فقد أكدت عليها أن نذهب معاً.

كانت منى تستمع إليه وترى حالته وتحاول كتم ضحكها فقالت بجدية مصطنعة: ربما نسيت فما هي فيه ليس بهين ، كان الله في عونها ، هي أكثر واحدة متضررة من مرض أمها وإن جدّ شيء لا قدر الله لا أعلم ما مصير تلك المسكينة ، ثم أن الأمر بسيط لا يستدعي تلك الثورة ، إياك يا إياد أن تنفعل عليها أو تعنفها دعها وشأنها.
هم زياد بالرد لكنه لم يجد ما يقوله فسكت ثم إنصرف ولايزال غاضباً مغتاظاً، وما أن دخل لغرفته حتى ضحك هاني ومني.

هاني :لا ،أود فهم الأمر ، ما حكاية مريم تلك ؟ هل كانت مقيمة هنا مع ليلى ؟!!!
منى : لا لا ، كل ما هنالك أنه قد رآها بالأمس وتبدّل حاله كما ترى ، فهو لم يراها منذ أعوام وتلك الأعوام القليلة تكون حدّاً فاصلاً في حياة الفتيات فتتغيرن تماماً.
هاني :ولدٌ خفيف، لا وكأنه يريد مخاصمتها والتشاجر معها من أول يوم ؟!! لكني أراكي سعيدة ومرحبة بذلك الأمر !!!

منى: لا أدري ، فحالة ليلى غير مطمئنة على الإطلاق، وتلك الفتاة المسكينة ستقع فريسة بين أخيها وأبيها وزوجته الجديدة وجدتها ، هي فتاة مؤدبة وجميلة وأنا أحبها بشدة من صغرها ربما غضبت منها في الآونة الأخيرة بسبب ما حدث مع ليلى ، لكن إتضح أنها كانت مظلومة وهم من أرغموها بالإجبار، أشعر بمسئوليتي نحوها ، وإن صارت زوجة إبني سيصير الوضع أفضل كثيراً لكنها صغيرة للغاية لا تزال في الثانوية العامة وربما لم ترى إياد بعد.
هاني : أود رؤيتها والتحدث معها فأنا لا أتذكرها من طفولتها.

منى :هي مؤكد ستزور أمها يومياً.
هاني:إذن نزور ليلى أيضاً فأنا أود بالفعل الإطمئنان عليها وكأني ذاهبٌ لرؤية حسام أخيكي.
فضحكت منى وقالت : أنت رائع !
فقال بهيام : وأنت حبيبي.

وإقترب منها يهم بتقبيلها لولا خروج إياد فجأة فتنحنح لينتبها فتراجعا وانسحب خجلاً وألقي السلام وهو مبتسّم وسعيد في نفس الوقت أن والديه علي عهد عشقهما حتى الآن وحتى بعد مرور كل تلك الأعوام ، فهو يشعر بغبطة منهما.
وصل إياد إلى المستشفي وسار قليلاً فوجد مريم تقف في إحدى الممرات المؤدية لغرفة العناية المركزة تقف باكية فأسرع إليها بهلع وقال : ماذا هناك يا مريم ؟ ماذا حدث ؟!!!

مريم ببكاء : يرفضون دخولي لرؤية أمي، يقولون الزيارة ممنوعة.
فتلاقط أنفاسه وقال:بالفعل الزيارة ممنوعة ، ومن أجل ذلك طلبت منك أن تخبريني بمجيئك لأتصرف أو يتصرف دكتور حسام.

فهزت برأسها أن نعم فاستأذنها للذهاب أولاً لغرفة المكتب فأذنت له لكنه اصطحبها على فجأة وجذبها من يدها معه ، فسارت معه وهي تمسح دموعها بطرف كمها بحركةٍ طفوليه فلمحها إياد بطرف عينه وابتسم وأخرج منديلاً وأعطاه لها.

ذهب إياد ومريم للمكتب فوضع أشياءه وإرتدى البالطو الأبيض الخاص به وعلّق سماعته على عنقه وجذب مريم من يدها مرة أخرى وسار بها لحجرة العناية المركزة ، كان من طريقتها تلك يشعر وكأنه يسير بطفلة صغيرة.
وصلا الإثنان و دخلا وما أن رأت أمها حتى تركت يد إياد واقتربت من أمها وجثت على ركبتها وأمسكت بيدها تقبلها وتبكي وتحدّثها : أمي الغالية ! أنا مريم إبنتك ، أنا بجوارك ولن أتركك أبداً ، لقد جئت لرؤيتك ، إشتاقت إليكي كثيراً ، إياكي يا أمي لا تتركيني… بالله عليكي لا تتركيني.

وأجهشت بالبكاء فاقترب منها إياد وجذبها لتنهض معه وأسندها حتى وقفت وقال : لا لا ، تحلّي بالقوة ، صحيح هي تحتاجك جوارها لكن تحتاجك قوية لتقويها ، ذلك الأمر سيطول معنا ورحلته لا يعلم مقدارها سوى الله فتحلي بالصبر والقوة والتماسك ، إهدئ رجاءً.
فمسحت دموعها بيدها وبطرف كمها مجدداً فابتسم وأعطاها منديلاً آخر و قال مازحاً:ألم يخبروكي أنك قد كبرتي على….

وأشار بحركة كمه يقرّبه من أنفه ويقول : القطار جاي من بعيد.
فضحكت منه وضحك ثم قال : لقد تغيرتي وإختلفتي تماماً يا مريم.
مريم :فعلاً ، فلم نتقابل منذ أعوام.
إياد :آخر قد رأيتك كنتي لازلتي طفلة بحجم البلية تشبهين خلة الأسنان.
مريم :من تلك التي تشبه خلة الأسنان ؟!!

إياد : لا تهتمي ، هذا عندما كنتي صغيرة.
مربم بمزحة : لا ، فلتصمت أنت أيضاً ! لأن لديّ صورة لك في طفولتك ترتدي شورتاً وركبتيك تتصدر الصورة ، شيئاً مضحكاً.
إياد :ماذا ؟!!! الصورة اليتيمة لي لديكي تلك ذات الركبتين ، إذن أعطيكي غيرها حديثة بعد الرياضة والتمارين والفورمة والعضلات.
مريم :لا بالله عليك ستزهق فيها أرواحاً.

فضحكا ثم قالت : ما تخصصكما أنت ودكتور حسام ؟
إياد : جراحة مخ وأعصاب ، لكني لازلت تحت التدريب فأنا لم أناقش الماجستير بعد ، أما خالي فقد حصل على دراسات عديدة ومتوسعة في جراحة الأورام وأتمنى أن أكون مثله.
مريم : بالتوفيق إن شاء الله ، كنت أريد أن أتخصص مثلكما لأتمكن من علاج أمي.
فابتسم بحزن وقال: تريدي دخول كلية الطب ؟

مريم :أتمنى.
إياد :لكن هذا القسم لا تدخله الفتيات.
مريم :لماذا ؟!!!! صحيح لم يكن طموحي في بادئ الأمر لكني قد غيّرت رأيي.
إياد :وماذا كان طموحك ؟
مريم :طبيبة في الطب الشرعي.

إياد بفجأة : طب شرعي ؟!!!! وتشرحين الجثث وتعملين في كشف جرائم القتل والتعدي وكل تلك المصائب ؟!!!! لقد كنت مشفقاً عليكِ من سكاشن التشريح.
فضحكت وقالت :لا أنا قلبي قويّ وحديد فولاذيّ.
فرد بهيام متيّم: وأنا قلبي ريشة في هوا.
مريم : ماذا !

إياد بإرتباك : لا لا ، لا شيء ، أقصد إنظري لأمك أفضل.
فابتسمت من هيئته وإرتباكه إبتسامة ساحرة خارت معها كل قواه وسلّمت قلاع قلبه وحصونها مفاتيحها كاملةً لها.
فوجد نفسه يبتسم تلقائياً لكن لم يعلم أن إبتسامته أيضاً لها سحرها فتجعله يشبه فارس الأحلام الذي تحلم به الفتيات ذات الوسامة والإبتسامة الفتّاكة .

وبعد فترة من الإنبهار المتبادل بدءا يتحدثا في أمورٍ شتي بل ويمزحا ويضحكا حتى أنهما قد نسيا أنها مشفى وأن تلك غرفة عناية مركزة.
وإذا بصوتٍ فجائي من خلفهما : هل أحضر إثنان من عصير الليمون ؟!!!!!
وللحديث بقية،

https://www.barabic.com/real-stories/13022

تعليقات (1)

إغلاق