رواية قبل نهاية الطريق (الجزء التاسع)

رواية قبل نهاية الطريق (الجزء التاسع)

وبعد عدة ساعات سُمع صوت صراخ قادمٌ من شقة محمد عمها ، فدخلت عليها مريم مسرعة لتخبر أمها بما حدث فوجدت أمها ملقاة على الأرض وفاقدة لوعيهاو وجهها متورم وحول فمها و أنفها دماءٌ جافة وبقعة دم تحتها من أثر النزف.

أسرعت إلى أمها توقظها وهي مزعوجة للغاية وبدأت ليلى تستعيد وعيها ورأسها يكاد ينفجر من الصداع حتى إنها لم تسمع ما قالته لها ابنتها.
وقفت ليلى بصعوبة تترنح لتذهب إلى الحمام وهي ترددآخر ما قاله أحمد لها :

« هل تظني نفسك إمرأة مثل باقي النساء ، لقد تحمّلتك طوال تلك الأعوام رغماً عني وذلك فقط من أجل صلة الدم والأموات ، لكن أنت لا تستحقي ، قوليلي ماذا يجذب فيكي ، حتى عندما أُلامسك أفعلها غصباً ومتكدّراً .»
غسلت وجهها ثم نظرت لهيئتها في المرآة ولازالت تعيد كلماته تلك وهي تتفحص آثار الضرب الموجودة ، لتظل تتذكر كل شيء خيانته ، قذارته ، إهانته فوقفت تبكي من جديد بحرقةٍ شديدة.
كانت مريم تتأمل أمها وتسمع لما تقول وهي تتوقع ما حدث وأن ما في وجهها ما هو إلا من أثر لضرب أبيها لها وليس محرد دوار أسقطها على شيءٍ ما…..

لكنها تقول خيانة…. هل أبي يخونها ويعرف أخرى ؟!!
هل أبي بتلك الوحشية والقسوة وسوء الأخلاق ؟!!!
وما كانت سر ذلك الصراخ سوى وفاة عمها تواً ، ربما لو كان عمها قد توفى قبل ذلك الموقف لما كانت أشد إنهياراً هكذا لإفتقادها معنى الحنان والآمان من بعده في حياتها.

فهو أبوها الذي ربّاها فلم تكن تعرف أباً غيره ، لكن ذلك اليوم كان يوماً حاسماً في حياتها ونقطة تحوّل ، وكان الأكثر عجباً أن تجد إمرأة عمها تركز بنظرها إليها بنوعٍ من الشماتة لأن هيئتها تدل على إنها مضروبة ، فكيف لها تلك المرأة أن تفكر في أي شيء سوي ما هي فيه ، لقد توفى زوجها بعد عِشرة أعوام طويلة !!!!
رأت ليلى نظرات الشماتة تلك في عيون كثيرات من النساء اللاتي جئن للعزاء ولم يكن بجوارها سوى إبنتها ومنى صديقة عمرها التي تشفق على حال صديقتها وتتعجب من نظرات تلك الحماة وغيرها.

إنتهت أيام العزاء وكان ذلك آخر عهدها بإمرأة عمها فقد قررت ألا تدخل تلك الشقة مهما حدث ، كما كان آخر عهدها بأحمد فقد قررت مقاطعتها نهائياً كلاماً ومعاملةً فقد إنتهى من حياتها.
ولم تعد تتعامل معه ولا حتى تحادثه ولو كلام دنيا ، صحيح لازالت مكتوبة على ذمتع ولم تطلب الطلاق لكنهز قد إنتهت منه وتخطته فلم تعد تمتلك نحوه أي ذرة إحساس أو شعور وتعلمت منه أخيراً التبلد واللامبالاة ، فلا عودة بعد قولك وأفعالك.

لوسهل عليك تقول كلام مالهوش حلول
أنا سهل أسيب اللي يسيب قلبي بقساااه
اسمع للناس وهسيبك بكرة الأيام هتجيبك
لكن يا خسارة ساعتها مين هيحس بيييييك
هو اللي يبيع بالساهل ينفع وياه نتساهل
فعلاً ما أنا اللي استاهل لما آمنت ليييييك
علي إيه اجرح كرامتي عشان تصحي لي غيرتي
بس إنهاردة لا يمكن أرضي أعيش كدااااااه
ليه فاكر مهما تعمل أنا هتحمل واكمل
أنا مش ملاك اصبر معاك بالشكل دااااااه

و الفعل عاشت ليلى بين أولادها وعملها فقط ولم يعد لأحمد أي مكان ولا قيمة ، حتى لو مر من أمامها ، حتى وهو نائم بجوارها في نفس فراشها لكنه لم يعد يجرؤ على الإقتراب منها.
لم يعد يفرق معها وجوده أو خيانته وكم يعرف من النساء وكيف حدثهن وكيف…..
لكن ذلك قد أغضبه بشدة فوجد نفسه فجأة وقد صار لا شيء ، لا يجرؤ حتى على التحدث ولا الكلام ، وقد رأى ذلك سوء معاملة منها.

ماذا كنت تنتظر أيها الغبي ؟!!! بعد كل ذلك الباع من سوء المعاملة والتجاهل ثم الخيانة والإهانة ، لقد قتلت كل شيء بداخلها نحوك ، هكذا هي المرأة عندما تُهان فتفقدها تماماً بلا عودة مهما كانت معطاءة… فهن خلقن من ضلعٍ أعوج إذا ذهبت لتقيمه كسرته.

الغريب أن ليلى كانت تشعر براحة في ذلك البعد وذلك التبلد منها فأخيراً قد تحررت من كم الصراعات بداخلها وحسمت أمرها ، لكن أحمد قرر تأديب ليلى كما هداه تفكيره حسب تصوره.
فذات يوم وكان وقت الغداء إذ جاء أحمد بالمصادفة فجلس معهم على مائدة الغداء.
أحمد :كنت أريد منكم أن تخلوا تلك الشقة وتجمعوا أشياءكم جميعها وتذهبوا لشقة جدكم أحمد ، أريد تجديد الشقة.
محمد:لكن يا أبي هذا وقت غير مناسب ،إنتظر لما بعد الإمتحانات.

مريم:كأنك تذاكر مثلاً ؟!!! تلك أجمل فكرة ، فمنذ زمن وأنا أريد تجديد غرفتي.
محمد:لكن كيف سنضع أشياءنا في شقة جدنا فهي لازالت مملوءة بآثاث جدّاي رحمهما الله.
مريم:مؤكد سنخزّن آثاثنا في مكان ما ونظل في بيت جدتي هيام حتى تنتهي الشقة ثم نعود من جديد.
أحمد : لا ، بل أجدد الشقة لأتزوج فيها ، وأنتم ستذهبون لتعيشون في شقة جديكما.

كان أحمد يتحدث وهو ينظر إلى ليلى وما أن قال ذلك الكلام حتى وجم محمد ومريم وسكتا تماماً بينما استمرت ليلى في طعامها دون أي ردة فعل ولا حتى إنتباه لكلامه.
فأعاد أحمد كلامه مجدداً : أكرر كلامي ، سأتزوج هنا بأخرى وستذهبون ثلاثتكم إلى شقة جدكم أحمد وسوف أبيع الآثاث الموجود هناك وتذهبوا بأثاثنا هذا إلى…..

وهنا نهضت ليلى فجأة وصاحت فيه :أثاث أبي لن يُباع ، هل فهمت ؟ لن يُباع.
ثم تركتهم ودخلت لغرفتها فإزداد غضباً وغيظا منها فكلامه لم يؤثر فيها ، فأسرع خلفها لغرفتها وقال بغضبٍ وحدة : كيف تتركيني وتنصرفي قبل أن أنتهي من حديثي ؟!!!
ليلى: ولقد أجابتك بأن أثاث أبي لن يُباع… سنأخذ ملابسنا ومقتنياتنا ونعيش عليه.
أحمد : وماذا عن أثاثنا ؟!!

ليلى:بيعه ، احرقه ، لا يهمني.
أحمد :أقول سأتزوج بأخرى…. ألا تشعرين ؟!!!
ليلى:لن أسمح بأي خطأ ولا إهانة توجهها لي ، أما أمر زواجك فلا شأن لي به ، معذرةً أريد أن أرتاح وأنام قليلاً يمكنك الخروج والجلوس مع أبناءك أو الذهاب في أي مكان.
فخرج من أمامها يكاد يحترق غضباً ولايدري كيف يكون ذلك رد فعلها فبدلاً أن يكيدها قد كاد نفسه.

ليه بتجرحني وتطلب مني أكون مجاملة
وافضل ساكتة كده واتحمل سوء معاملة
واحدة بواحدة ، ماتقوليش لأ عادي في بيتها
ده مفيش واحدة، تقبل حد يهين كرامتها
مابقاش ينفع خلاص دي راحتكم مالهاش أثر
أجيب منين إحساس عشان أداري اللي انكسر
لازم أحكي وأقول بمنتهي الأمانة
لو حتي كان كلامي فيه شوية إهانة

مرت الأيام وقد انتقلت ليلى بالفعل هي وأبناءه لشقة والديها والتي صارت فيها أكثر راحة ، ولازالت على صمتها وتجاهلها معه لا تعيره أي إهتمام أو تبدي أي نوع من الغضب بسبب زواجه ذلك.
وذات يوم قد جمعت ملابسها الخاصة التي كثيراً ما اشترتها لتتفنن في إسعاده بدون أي جدوى و ملأت بها حقيبتين كبيرتين بعد أن غسلتهما.

كانت واضعة الحقيبتان في مدخل الشقة وكانت تعد نفسها للذهاب خارجاً لكنها و تفاجأت بوجود أحمد يفتح تلك الحقيبتان ويفتش فيها.
ليلى:أحمد ؟!! خيراً ؟!!
أحمد :خيراً ؟!! لأين تذهبين وما تلك الحقيبتين؟!!
فردت وهي تعيد ترتيب الحقيبتين من جديد وتحكم إغلاقها :لا أعتقد أن ذلك أمر يخصك، يكفيك إنشغالك بإستعدادات زواجك يا عريس.

فأمسكها من ذراعها بقوة وقال بحدة وصرامة : عندما أسأل عليكي أن تجيبيني.
ليلى: هي مقتنيات لا فائدة لها وتشغل حيزاً ، سأتبرع بيها ، سلام.
أحمد :إنتظري ! لقد قمت ببيع آثاث البيت ومقتنياته وذلك ثمنها…. هذا حقك.
فضحكت بسخرية وقالت:هذا حقي ؟!! شكراً !

فوضعت المال في غرفتها ثم خرجت تحمل الحقيبتين وخرجت وتركته دون أي كلمة وركبت سيارتها وذهبت بها.
خرج أحمد خلفها بسيارته يتبعها ليرى لأين تذهب بتلك الحقيبتين ، كانت تقود سيارتها وتراه يتبعها بالخلف فتضحك بشدة حتي وصلت لإحدى الجمعيات الخيرية وأخذت تلك الحقيبتين و دخلت بهما وبعد قليل خرجت من دونهما وعادت مجدداً للبيت ولازال خلفها ولازالت تراه وتضحك.
وللحديث بقية،

https://www.barabic.com/real-stories/13046

تعليقات (1)

إغلاق