رواية قبل نهاية الطريق (الجزء الرابع)

رواية قبل نهاية الطريق (الجزء الرابع)

تكفل محمد بعائلة أخيه بعد وفاة والده كما تواعد معه فكان أباً حنوناً لليلى وأول ما فعل أنه قسَّم ميراث أبيه مناصفةً بينه وبين إبنة أخيه إلا الدكان الكبير فقد تركه على حاله فهو اسم العائلة وتاريخها ولا يمكن التصرف فيه إطلاقاً لكنه سوف يحضر شهرية لبيت أخيه من ربح المحل كل شهر.

كان محمد دائم الزيارة لليلى ومعه إبنه أحمد رغم أنهم بنفس البيت إلا أن هيام كانت في حياتها وعليّة إمرأة محمد في حياتها ، لا تلتقيان ولا تتزاوران خاصةً وأن عليّة دائمة الإعتراض على أفعال زوجها وعلى إستمرار وجود هيام بالبيت أصلاً.

وذات مساء وكان محمد يدخل من باب الشقة متعباً مرهقاً :السلام عليكم ورحمة الله.
عليّة:مرحباً ! مؤكد قد كنت عندها ؟!!
محمد:لا بل كنت بالدكان كان اليوم العمل كثير للغاية ، ثم منذ متى وأنا أذهب لبيت أخي بدون إبني أحمد ؟!!
عليّة:ولمتى كل هذا ؟!!

محمد:لقد إبتعدتي وإنعزلتي بعيداً عنها ولم أعترض بل تركتك وشأنك ، إذن فلا دخل لكِ بعلاقتي بيت أخي.
عليّة:ألم يكفي أن أعطيتهما نصف أموال أباك ؟!!
محمد:كان هذا نصيب أخي أحمد رحمه الله وحقه في إرث أبيه رحمه الله ، إذن فهو حقٌ لابنته.
عليّة:هذا في حالة وفاة الأب قبل إبنه ، لكن ما حدث أن أخيك من توفى أولاً فليس لهما أي حقوق.
محمد:أراكي لا تملين من تلك الثرثرة الفارغة ، هل يريحك قولة ما شأنك ؟!!

فتأففت وأكمل محمد:رجاءً إنسيها ودعيها وشأنها ، ثم أن حالنا ماشاء الله لا قوة إلا بالله ، يارب زد وبارك ، لا ينقصكما أنت وابنك أي شيء ، فأما بنعمة ربك فحدث يا إمرأة.
عليّة:كل ما يهمني الآن ألا يذهب نظرك لست الحسن والجمال.
محمد:لا إله إلا الله ، هي ليست زوجة أخي فحسب ، بل هي حب عمره منذ صغره ، الحب الذي تمناه وانتظره طويلاً وما أن تحقق وتلاقيا حتى لقى ربه بعد أشهرٍ قلائل.
عليّة:لأن النساء أقدامٌ وعتب.

محمد:إرحمني يا الله ، يا إمرأة إني آتٍ هالكٌ من عملي طوال اليوم وأنت تثرثرين هكذا ولا تكفي عن كثر الحديث الذي لا فائدة له ،كأنك متبلدة لا تحسين ولا تشعرين.
وتركها وانصرف.

مرت أعوامٌ وأعوام ومحمد على عهده بأبيه في رعاية بيت أخيه وإبنته ، فكان لليلى بمثابة أباً ثانٍ .
أما هيام فلم يكن لديها في حياتها سوى ابنتها وعملها في البنك ، ولم تكف يوماً من الحكي عن أحمد فكان يعيش بينهم بسيرته وذكره الدائم وصوره الموجودة في كل شبرٍ بالبيت حتى أن ليلى التي لم تراه كانت تشعر بوجوده حولها.
ومع وجود عمها في حياتها لم تشعر يوماً بأي يتم، كبرت ليلى وبلغت مبلغ النساء وتشابهت ملامحها مع ملامح أمها كثيراً في الهيئة ولون الشعر البني والعينين العسليتين والشفتين المرسومتين وذلك القوام الممشوق ،لكن كانت هيام عقب وفاة أحمد قد إرتدت الحجاب فأبت أن يرى غيره جمالها ، وكذلك فعلت مع إبنتها فارتدت ليلى الحجاب وهي في سنٍ صغيرة وهي لا تزال في المرحلة الثانوية ، ثم إلتحقت ليلى بكلية الآداب قسم مكتبات.

بينما أحمد كان قد تخرج من كلية التجارة وكان يشبه في ملامحه لأبيه من حيث الشعر والعيون الداكنة ولون البشرة القمحي المائل للسمرة قليلاً، وكان أحمد يعمل مع أبيه منذ صباه في الدكان وقد تشرب مهنة العطارة جيداً فبمجرد تخرجه أكمل عمله في محل العطارة ليستلم الراية من أبيه بعد أعوام.

ومرت أعوامٍ أخرى وقد تخرجت ليلى من الكلية ، وفي بيت محمد وكان أحمد آتٍ تواً من عمله فدخل وسلّم علي والديه وإرتمى على إحدهي الكراسي حيث كان متعباً.
محمد:ما الذي أخرك اليوم يا بني ؟
أحمد:لقد جاءت الطلبية الجديدة وإنتظرت حتى إستلمتها وقمت بتخزينها بنفسي.
محمد:بارك الله فيك يا بني.

عليّة:سأعد لك العشاء فوراً،
أحمد :لا أقوى يا أمي ،أريد النوم طويلاً.
عليّة:يا بني أرح نفسك قليلاً فالحياة ليست عملاً فقط.
محمد:صحيح يا أحمد ، كنت أريدك في أمر ما.
أحمد:خيراً يا أبي.

محمد:أتمنى أن أراك عريساً متزوجاً وأرى أبناءك.
أحمد:لا زال الوقت باكراً يا أبي.
محمد:لا ليس باكراً، هل هناك فتاة ما في حياتك ؟
أحمد:ما هذا الذي تقوله يا أبي ؟!!!
محمد:إني أحدثك بصدق ، ماذا فيها لو كنت تحب فتاة ؟!! أخبرنا لنذهب لخطبتها لك لماذا تنتظر ؟
أحمد :لا يوجد فتيات في حياتي.

محمد :ولا زميلة منذ أيام الدراسة ولا الجامعة.
أحمد:أقسم لك أبي لا توجد أي فتاة في حياتي.
محمد :إذن مارأيك في ليلى إبنة عمك ؟!!
أحمد :رأيي فيها كيف ؟!!

محمد:رأيك فيها كعروسٌ لك وزوجة وأم لأبناءك ، فهي أدب وخلق وجمال وأنت الأولى بها من غيرك ، هذا طبعاً إن كنت تراها كزوجة ، أم أنك لا تراها سوى إبنة عمك وأختٌ لك ؟!!
أحمد:لا أعرف يا أبي ، لم أفكر في هذا الأمر من قبل.
محمد:إذن ففكر واستخير الله ثم بلغني برأيك أياً كان، لكن أريد رأيك بصدق لا أريد ظلم أيٍ منكما .
أحمد:وما رأيها هي؟

محمد:هل تعتقد أني سأفاتحها قبل معرفة رأيك أولاً ؟! وأكرر لك أنا لا أجبرك أنا أقترح عليك ليس إلا.
أحمد:حسناً أبي ،سأفكر بالأمر وأخبرك في وقتٍ لاحق.
ثم تركه وإنصرف فقالت عليّة:لأول مرة تفكر بطريقة جيدة ، هكذا أفضل حتى لا يخرج الإرث لشخصٍ غريب.
محمد:ماذا تقولي يا إمرأة ؟!! هل جننتي ؟!! إن إبنة أخي هي إبنتي وليست بيعةٌ وشروة ، والأمر يجب أن يكون برضا الإثنين ، حتى لو وافق أحمد فلم يتم شيءٌ إلا بعد موافقتها.

ومرت عدة أيام ثم أبدى أحمد موافقته ففرح محمد وتمنى لو اكتمل الأمر كما يحب ويتمني ، ليت رغبة إبنة أخيه تتفق أيضاً مع رغبتهما.
وذات يوم ذهب لبيت أخيه ومعه أحمد كما إعتادا وكانوا يجلسون معاً يتحدثون أحاديثٍ عامة ، لكن أحمد هذا اليوم كان شبه صامت وقليل الكلام بشكل ملفت ، ومما زاد الأمر دهشة أن طلب التحدث إلى ليلى بمفردهما ، فذهبا معاً لحجرةٍ أخرى.
محمد :كيف حالك يا ابنتي ؟ و حال عملك الجديد؟

ليلى :بخيرٍ يا عمي، خاصةً وأن مني صديقتي معي في نفس المكان ، فمنذ زواجها وقد قلت زياراتنا ولقاءاتنا.
محمد:رغم إني لا أجد مبرراً لعملك هذا فأنت لا تحتاجي لشيء ، لكن يكفي أن الأمر يسعدك.
ليلى:يسعدني للغاية عمي ، ماذا سأفعل بجلوسي في البيت ؟!!
محمد:إذن بعد زواج صديقتك ، ألم يحن الدور عليكي ؟!!
ليلى:ماذا هذا الكلام يا عمي ؟!!
محمد:هل هناك من يغزو قلب إبنتي الغالية؟
ليلى:ماذا هذا ياعمي ؟!!!

محمد:أصدقيني الحديث يا إبنتي ولا تكترثي ، فإن كان قليل الدخل فأنا جواره المهم الأخلاق الحميدة وأن يصونك ويعاملك بالحسنى.
ليلى:لا يا عمي لا أحد في حياتي ، أقسم لك.

فابتسم محمد بتأثر :لقد تذكرت أبوكي تواً في صباه وكان قد قرر أنه سيتزوج أمك ، وذات يومٍ بينما كان يلعب مع الصبية في الشارع إذ ضايقه أحدهم وقال له أن هيام لن تحبه أبداً ، أقسم لك أنه عاد للبيت مريضٌ ومحموم وقد أصيب بحمى فجائية ويبكي حزنًا أن هيام لن تحبه ، لولا أني طمأنته وعرفت ذلك الصبي وذهبت لضربه ، رحمة الله عليه ، كان طيب طوال عمره.

فضحكت ليلي وعيناها تدمعان:ليت كل الرجال مثل أبي ، رحمة الله عليه ، فالطيبون دائماً أعمارهم قصيرة.
محمد:رحمة الله عليه ، المهم.
ليلى:خيراً ؟!!
محمد:ما رأيك في أحمد إبني زوجاً لك ؟
ليلى فجأة :ماذا ؟!!!!

محمد: هو صحيح إبني لكنك إبنتي وإبنة الغالي وأنا لم أرغم أيكما ، إستخيري الله وخذي وقتك في التفكير وبلغيني بردك أياً كان وبدون حساسية ، فهذا حقك ، وإن رغبتي في الجلوس معاً فلا مانع ، حتى لو تمت الخطبة ولم يحدث وفاق فلا شيء في ذلك ، فالمصلحة واحدة، هي سعادتكما بنيتي سواءً معاً أو لا، خذي وقتك في التفكير وسأتركك الآن ، مع السلامة.

وخرج محمد وأحمد تاركين ليلى واجمة متفاجئة من هذا الطلب ، وهيام في تعجبٍ ودهشة ولا تفهم ماذا جرى ؟!!!!
وللحديث بقية،

https://www.barabic.com/real-stories/13061

تعليقات (1)

إغلاق