رواية في قبضة الطاغية (الفصل السابع)

رواية في قبضة الطاغية (الفصل السابع)

._دلف الصقر إلى غرفته وخلع قميصه ثم استلقى على السرير الوثير وأغمض عينه شاردًا يتذكر ما فعله …..
……..”عندما سأله سراج قائلًا :
طب واللي اسمه حامد ده نقتله ؟
لم يجاوب عليه الصقر على الفور بل ظل يفكر ثم هتف :

اقتله !
كاد سراج يتحرك بخطواته ليفعل ما أُمر به إلا أن صوت الصقر الصادح أوقفه قائلًا :
استنـــى !
توقف سراج واستدار نحو الصقر في نظرات متحيرة ليهتف :
أيوة يا باشا !
وقف الصقر وتقدم بخطواته في ثبات تام وهدوء مُريب به الكثير من الغموض ، توقف على بعد خطوات من سراج ثم هتف بلهجة آمرة باردة :

سيبه ، وأنا هتصرف معاه !
تعجب سراج من معارضته المفاجئة ،وشرد لوهلة يُفكر لمَ تراجع عن قرار مثل هذا ،فهو دومًا لا يهمه أحد وصفر بالمئة إن كان في قلبه رحمة ، فكر أنه يجب أن يتحقق عن هذا ،ثم أبدى عدم اكتراثه وهتف موافقًا على الفور :
تحت أمرك !
تحرك بعد أن أذن له الصقر ،الذي ظل يفكر في هذا الرجل المسن بشرود تام !

…………..
نزل سراج إلى السجن العام ليجد العديد من الفلاحين جالسين بقلة حيلة والتحسر والألم فقط البادي على وجوههم ،منتظرين مصيرهم الإعدامي بدون أي ذنب أو جريمة !
_دلف سراج بعد أن فتح الباب الحديدي بكل قوة لينفّض الجميع ،ويقوفون مرتعشين ، تفرس فيهم سراج بقسوة حادة وهو يصيح قائلًا :
فين اللي اسمه بُرعي !

ارتعد بُرعي وأحس أن نهايته قد أتت بالفعل ،جف حلقه ولم يستطيع الكلام ،فأعاد سراج هتافه لكن بصوت أعلى قائلًا :
الزفت اللي اسمه بُرعي !!!
تحدث بُرعي بنبرة متقطعة قائلًا :
آآآ،أنا يا ..يا بيه !!
سلط سراج عليه أنظاره وأشار إلى رجاله قائلًا بنبرة واحدة مخيفة :
هاتواا!!
أمسكوه الرجال بعد ارتعاد بُرعي الكثيف وهو يهتف بهستيرية:

والله ما عملت حاجة ،حرام عليكوا يا ناس ،إحنا غلابه ملناش ذنب !
صرخ فيه سراج يسكته قائلًا :
اخررررررس ! ،واطي ..!
كان حامد ينظر للمنظر بهلع شديد فما ذنب ذلك المسكين الذي لم يفعل شيء ،علم إن قال شيئًا أو اعترض فلن يُجدي نفعًا فهؤلاء ليس لديهم أي رحمة ،لذلك تنهد عليه بشفقة ،ولم يعلم هل يشفق عليه أم على حاله ،فربما يحدث به مثلما سيحدث في بُرعي بل أكثر !

أمسكوه رجال سراج ليخبرهم قائلًا :
ودوا على غرفة القتل ، وهناك خلصوا عليه وارموا جثته برا تاكلها الكلاب !
صراخ بُرعي ألقى في نفس حامد الخوف الهائل فأصبحت أنفاسه ضيقة لكن بعد ما حدث ،أرسل سراج نظراته نحو حامد الذي تصبب العرق منه واستدار ليتوجه خارجًا دون كلمة أخرى !
فور ذلك كانت الدهشة الكبيرة على علامات حامد وحمد ربه أنه بخير ،لكن كان لا يستطيع تخيل ما سيجري لبُرعي ،جلس أرضًا يُناجي ربه ويدعي لابنته وزوجته !

……………………….
وبعد ساعات أمر الصقر حارسه الخاص بأن يأتي بحامد إليه ،وجلس في بهو صالته ينتظره وهو يدخن بشراهة ، أتى الحارس بصحبة حامد الذي كان في غاية الخوف مطأطأ الرأس ، أشار الصقر بعينه للحارس كي ينصرف ،فأصبح حامد تحت سطوة إنسان طاغٍ لا يعرف الرحمة !
نفث الصقر دخان سيجارته بشكل مثير للاستفزاز ،ثم تحدث بصوته الغليظ قائلًا :
قرب هنا !

تقدم حامد بتعثر قرب مجلس الصقر ليتفاجأ بحديثه قائلًا :
بقالك أد إيه في القرية دي ؟
ظلت علامات التعجب تبرُز من وجه حامد لكنه أجاب بخضوع :
من زمان يا بيه ،من ساعة ما اتولدت !

خاب أمل الصقر ونظر للناحية الأخرى يفكر فهو يشعر أنه يعرف ذلك الرجل ، يشعر بأنه رأى تلك الملامح من قبل ،لكن ليس في قريته في مكان آخر لا يتذكره ، زفر بانزعاج تام ،ثم استدار نحو حامد وقرر أن يجعله على قيد الحياه ،فذلك الشبه بالشخص المجهول جعله في حالة جهل قليلة لا يعلم كيف يتصرف بها ،لذلك أرسله إلى تلك الغرفة المظلمة يشعر أنه سيساعده في أمر ، ومن وقتها أصبح هذا الحال ولا أحد يعلم بأن حامد على قيد الحياة !

…………”
أفاق الصقر من نوبة تفكيره ثم ذهب ليأخذ حمامًا لتسترخي أعصابه وبعدها يستعد للمعارك القادمة !
…………………………………………………….
من وقت ما أخبر عدلي كوثر بأنه قابل غيث وأصبحت كوثر في عدم تصديق كبير تشعر أنها تحلم ،هل حقًا ابنها على قيد الحياه وأين هو وماذا يفعل ؟،!
شردت كوثر للحظات تبكي فهدئها عدلي بنبرة حذرة :

اهدي يا كوثر ،عارف الخبر صعب بس ، بس لازم تتحكمي في أعصابك شوية مش عايزين حد يحس !
حاولت كوثر أن تهدئ من نفسها وسط نبضات قلبها المتسارعة وأنفاسها المتقطعة لذلك حاولت الحديث قائلة :
ف ..فين هو ،وعاايش فين ،احكي يا عدلي أرجوك !
تنهد عدلي باستياء ثم أخبرها قائلًا :

مش عارف يا كوثر أقولك إيه ،بس هو مش سامحلي أعرف عن حياته حاجة ،بس هو كويس جدًا اطمني ،وبقى راجل كبير الناس كلها تخاف منه
ابتسمت كوثر بوجه حزين ثم قالت بنبرة متلهفة :
طب عايزة أشوفه ،أبوس اديك خليني أشوفه يا عدلي !
لم يعرف عدلي بماذا يخبرها ، لكنه ربت عليه قائلًا :

بصي يا كوثر اصبري حبة هو مش مستعد لده دلوقتي اللي مر بيه مش سهل برضو ، ولحد دلوقتي مش عارفين حصله إيه بعد المشكلة اللي حصلت ،وعاش إزاي واتربى فين ،اعذريه لحد ما يهدى ،هبقى أشوفه تاني واحاول معاه كل مرة عشان يشوفك !
بكت كوثر على ذلك الحال الذي جعلها تفقد ولدها الحبيب وكان ذنبًا لم تكن تقصده !

………………………………..
في ذلك الوقت كانت صباح استمعت لكل ذلك الحديث عندما كانت ذاهبة لتتحدث مع كوثر وتخبرها أن الغذاء جاهز ،لكن الفضول أحسها على سماع كلمات ذلك الرجل الغريب لها ،وكونها فلاحة بسيطة فلن يخرج ذلك الطبع الذي يريد معرفة كل شيء !
تعجبت صباح من حديثهم وهتفت وهي تمط شفتيها بحيرة :
يا ترى إيه حكاية الولد ده !

…………………………………………
جلس الصقر مع ذلك الخبير باللغة ونظر له نظرات احتقاريه حادة وهو يهتف :
لو مشفتش شغلك عدل وفي ظرف يومين بس مغيرتش البت دي لواحدة جاية من برا ،هنهيك بنفسي !
ابتلع الخبير ريقه وتوجس من حديثه ثم هتف بنبرة ثقة مجاهدة :
متقلقش يا باشا ،الموضوع بسيط وفي الوقت هتلاقي كل حاجة تمام وعلى المظبوط !
اكتفى الصقر بإرسال نظرات نارية له وشاور له قائلًا :

استنى هنا أجبهالك !
أومأ الخبير رأسه بابتسامة مصطنعة خائفة ،حتى غاب الصقر عن أنظاره فهتف بزفير :
أوووف أعوذ بالله من كده راجل هيقطع خلفي !
…..
دلف الصقر نحو غرفة جود ليجدها جالسة على السرير ميقدة وتبكي ،فابتسم بتشفي وصاح فيها :
تقومي دلوقتي تظبتيلي نفسك ده وتنزلي تحت مع زينب عشان تتهببي تنطقي زي البني أدمين ، يلا!!

كانت جود حقًا تشعر بالتعب وتشعر أيضًا بالجوع والعطش فلم تأكل شيئًا من وقتها ، كانت لا تستطيع الحديث وبدا وجهها شاحبًا ، تفرس الصقر فيها واقترب منها فوجدها على ذلك الحال ،زفر بضيق جلّي ،ثم حلّ وثاقها فارتخت يداها وجسدها ،لكنها مازالت متفتحة الأعين ، تفحصها الصقر بيده فوجدها هامدة لا تقاومه ولا تتحرك ، بدأ يُحركها بيده على وجهها قائلًا بتأفف :
أنتِ بقولك فوقي !
وجد الأمر يصعب تفسيره فهزها أكثر :

جــود ،فوووقي !
لم تستجب لذلك سحبها من يدها لتقف وعندما همت بالوقوف على الفور أغشي عليها !!
………………………….
وقف سراج أمام النافذة بتطلع إليها ثم بدا في عينه نظرات غريبة ،يقطن بها كل الشر ،احتضنته سلوى ثم أمسكت وجهه بيدها قائلة :
هتفضل تفكر كده كتير ؟
وجهّ نظراته لها ثم ابتسم لها وقبّلها وهتف بنبرة عاشقة مزيفة :

بحبك !
ابتسمت سلوى وشعرت بأنفاسه الحارة على وجهها فتنفست بعمق وهي تحاول إخراج كلماتها :
بس أنت بعيد عني الفترة دي ،وشغال تفكير !
ضيق سراج عينه ثم هتف بنبرة خبيثة :
عادي ،كله عشان الشغل ،اصبري بس حبة وكل حاجة هتبقى ملكي
تمنت ذلك سلوى في أسرع وقت ،لكنها غير متيقنة أو واثقة به تمامًا، فالصقر حقًا طاغٍ بأبشع الأشياء ، أما عنها هي فتريد فقط من بيده السلطة والأقوى ،فإن حصل عليها سراج ستكون معه أما إن ظلت مع الصقر فستقول وداعًا سراج !

…….
بعد برهة استلقى سراج بمفرده في منزله يفكر في تلك التي شغلت باله منذ أن رآها أول مرة ،هذا الملاك الجميل كيف يفوته ،فقط ما يمنعه وجود الصقر المتمسك بتلك الفتاة ،ينتظر فقط حتى يتخلص من الصقر ثم يقضي على هذا شريف ،وينفرد بها وبكل شيء ،
……………………………………

-الصقر باشا بيقولك شرفتنا ،اتفضل دلوقتي واما نتصل بيك تبقى تيجي !
تعجب الخبير ونفخ في ضيق بالغ ليهتف قائلًا :
وبعدين بقى ،ده شغلي يا أستاذ مش كيس جوافة هو !
برّق له الحارس بأعين حادة ثم هتف بنبرة عالية قوية :
مع السلامة !

شعر الخبير أنه إذا جلس أكثر من ذلك فستُقطع رأسه ،لذلك قام على مضض وتوجه للخارج يبرطم بكلماته …:
الله ياخدكوا
…………………………….
في الغرفة التي تقطن بها جود ، كان يعلم الصقر أنها مرت بأشد الألم والعذاب وتنهد في ضيق وهو ينظر إلى خادمته “حسنية” ثم يهتف بقوة :
عملتلها الخلطة ؟!

هزت حسنية رأسها عدة مرات وهتفت قائلة :
أيوة يا باشا ، الخلطة دي هتخليها تقوم زي الحصان ،وتديها التغذية الكاملة .
التفت بنظره نحو جود النائمة وأشار إلى حسنية لترش عليها من عطر قوي الرائحة بدرجة كبيرة ،وعندما رشت القليل منه على منطقة أنفها ،أخذت جود تسعل بقوة وهي تقوم شاهقة لاهثة ،حتى تطمئنها حسنية قائلة :
اهدي يا بنتي ،متخفيش أنتِ كويسة

ظلت جود تلهث من شدة الرائحة وزيادة على ذلك شعورها بفراغ معدتها وشدة عطشها ، أما حسنية فظلت تهدئها حتى هدئت قليلًا وبدأت باسترداد وعيها !.
-حـــــــــسنية !

ارتعدا حسنية ونظرت نحو الصقر الذي خاطبها باللهجة حازمة قائلًا : بـــــــــرا !
نظرت حسنية نحو جود بشفقة بالغة ثم تراجعت وذهبت مسرعة وسط ضياع جود الكبير!
أتى إليها الصقر وجلس قبالتها وأتى بتلك الخلطة وقال بنبرة آمرة:
تاكلي البتاع ده كله هيقويكي ،وجنبك المياه أهو ،وبعد ساعة تكوني جاهزة وتنزليلي !

تركها دون أن تتفوه بشيء وهي حقًا قد تعبت من تلك الحياة ،إلا أنها أخذت تأكل بشراهة تلك الخلطة الغذائية فهي حتمًا متعبة !
…………………………..

يركض ويركض برعب حقيقي بعد أن تركوه وحيدًا وتخلى عنه الجميع حتى والدته التي يعشقها بشدة ،ليس له الذنب في كل ذلك لم يقترف شيئًا ،أنكرو وجوده وأعدموه ،وصل إلى ذلك الشارع المظلم يا له من ظلام دامس، كيف وعمره فقط سبع سنوات لا يفهم ويعي شيئًا بعد ، نظر حول الشارع بارتعاد كبير وصوت الكلاب تنبح من كل مكان حوله ،خاف وجلس على تلك الأرضية يبكي ،حتى لمح رجل يأتي إليه وبيده سيف كبير ،ليشهق الطفل ويصرخ :
لااااااااااااااا

https://www.barabic.com/stories/15006

تعليقات (1)

إغلاق